القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد،

الحسين بن يحيى بن محمد (المتوفى: 1435 هـ)

[شبهة في الجبر، وجوابها]

صفحة 101 - الجزء 1

  فالجواب عليهم أنا نقول لهم: هل الكسب فعل للعبد؟ أم فعل لله؟

  فإن قالوا: فعل لله لم يخرجهم ذلك عن الجبر، ومذهب جَهْم، بل وقعوا فيه من جهتين، من جهة الفعل، وجهة الكسب، ولم يبقوا للعبد كسباً.

  وإن قالوا: فعل للعبد، فإما أن يكون بقدرة مقارنة موجبة فهو عين الجبر.

  وإما أن يكون بقدرة متقدمة على الفعل غير موجبة له، بل تتوقف على اختيار العبد، فقد أثبتوا للعبد فعلاً، فما الفرق بينه وبين سائر الأفعال؟ وما الدليل الذي دل على أن الفعل الذي هذا الكسبُ كسبٌ فيه بقدرةٍ موجبةٍ له ليس للعبد فيه اختيار؟ وهذا الكسب فعل يتوقف على اختيار العبد، وما الفرق بينهما إذاً؟

  وإن كان الكسب فعلاً لله، وللعبد فيه كسبٌ أيضاً لزم التسلسل، ولزم في الكسب الثاني ما ذكرنا في الأول، وهكذا.

  وجواب آخرٌ على مقالة أبي الحسن الأشعري: لأنه لما استشنع هو وأتباعه تصريح جَهْم بن صفوانَ وأصحابه بالجبر الصريح، ونسبة أفعال العباد إلى الله فروا إلى غير مفر فجعلوا الأفعال لله وللعبد فيها كسب.

  والجواب عليهم أنا نقول لهم: هل الكسب فعلٌ للعبد؟ أو فعلٌ لله؟

  فإن قالوا: فعلٌ لله - فقد لزمهم مثل قول جَهْم مرتين، ولم يبقوا للعبد كسباً.

  وإن قالوا: فعلٌ للعبد. فقد أثبتوا للعبد فعلاً - فما الفرق بين الفعلين؟ والذي أوجب لكم نفي الفعل للعبد حاصلٌ في هذا.

  وكيف صحّ لكم أن هذا فعلٌ للعبد الذي لم يقم دليل عليه، والفعلُ الذي نشاهده صدر من العبد ليس منه؟ بل الذي أوجب لكم نفي الفعل عن العبد يوجب نفي هذا عنه لعدم الفارق.

  فإن قالوا: هذا الكسب فعلٌ لله، وللعبد فيه كسب - عدنا الكلام معهم في كسب الكسب، وهكذا.

[شبهةٌ في الجبر، وجوابُها]

  فإن قيل: إن الله يعلم أن العبد يفعل في الأزل فلا بد أن يفعله، وإلا انكشف