القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد،

الحسين بن يحيى بن محمد (المتوفى: 1435 هـ)

[تنزيه الله تعالى عن الرضا بالمعاصي]

صفحة 105 - الجزء 1

[تنزيه الله تعالى عن الرضا بالمعاصي]

  ٣٢ - ولا يَشاها ولا يَرْضى بها أبداً ... كيف وقد هَدَّدَ العاصين إنْ عَمَدُوا

  ٣٣ - وأنزل الله في تحذيرنا كُتُباً ... الأمرُ فيها وفيها النَّهيُ والرَّشَدُ

  في هذين البيتين وما بعدهما تنزيه الله عن الرضى بالمعاصي؛ لأنَّ الرضا بها قبيح.

  وقد أوضحنا الأدلة فيما سبق أن الله لا يفعل القبيح، ومن الأدلة على أن الله تعالى لا يرضى بالمعاصي، وأن العبد مختار في فعله، ليس مجبراً، وأنه يقدر على الطاعة والمعصية، أن الله قد بعث النبيين مبشرين، ومنذرين، وهذا لا يقع من حكيم أن يأمر بشيء وهو لا يريده، أو يريد تركه، ولا ينهى عن شيءٍ وهو يريده، وهذا أمر معروف عند كل عاقل.

  وفي اللغة العربية أن الأمر هو: الأمر بما يريده الآمر.

  والتهديد هو: الأمر بما لا يريده، وأن الفرق بينهما ذلك.

  فكيف إذا هدد العاصي وعاقبه، فهذا ما لا تقبله العقول الناقصة، فكيف بالعقول الزكية؟!

  وقد أكّد الله ذلك في القرآن فقال: {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}⁣[البقرة: ٢٠٥]، {وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}⁣[الزمر: ٧]، {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ} إلى قوله: {قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ}⁣[الأنعام: ١٤٨]، {يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ}⁣[النساء: ٢٦]، وقال: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئَةً عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}⁣[الإسراء: ٣٨]، {فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}⁣[التوبة: ٩٦]، وقوله: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ}⁣[الزخرف: ٢٠]. فهذه الآيات دليل على أن المعاصي ليست من الله، ولا بإرادته؛ لأنها لو كانت منه لكانت بإرادته.