[القرآن ينسب أفعال العباد إليهم]
  والمسألة الثانية: في نسبة أفعالنا إلينا، وهي متفرعة على المسألة الأولى.
  أما نسبة أفعالنا إلينا فإنا نعلم علماً ضرورياً أنَّ أفعالنا تحصل، وتنتفي باختيارنا، بحسب دواعينا وصوارفنا، وإنا إذا قمنا، أو قعدنا، أو سافرنا، أو بنينا، أو حرثنا، أو صلينا، أو صمنا، أو أفطرنا، أو حججنا، أو زكينا، أو زنينا، أو سرقنا، أو قتلنا، أو شربنا الخمر، أو أطعنا الله، أو عصينا، أو نحو ذلك أن تلك أفعالنا، وباختيارنا، وبإراداتنا، وعزمنا، لا ينكر هذا إلا مكابر معاند، وأنَّ كلَّ واحد منا ينسب أفعال كل فاعل إليه، ويمدحه على الحسن منها، ويذمه على القبيح حتى الكفار، لا شك في ذلك، ولا مرية، حتى البهائم فإنها تعرف من يسقيها ويعلفها، وإذا رأته أقبلت إليه وهرولت، وتنفر عمن يضربها وتفر منه، وربما تحمل عليه، وأعظم من هذا أن يفعل الإنسان فاحشة، ثم ينسبها إلى رب العزة هلا كفاه أنه عصاه، ويستحي من نسبتها إلى ربه، والله يقول: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}[النساء: ١١٢]، فكيف إذا نسبها إلى ربه؟ وفي هذه الآية أيضاً تصريح بأن الاكتساب، والرمي من المكتسب. فهل حكم الله على نفسه أنه احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً، حين نسب أفعالنا إلينا عند من يقول إن أفعالنا من الله؟ ما أشنع هذا القول، وما أقبحه.
[القرآن ينسب أفعال العباد إليهم]
  وإذا تأملت القرآن وجدته في كل سورة ينسب الفعل إلى فاعله غير الله ففي: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}[الناس: ١]، فاعل {قُلْ أَعُوذُ} هو النبي ÷، وفاعل {يُوَسْوِسُ} هو الشيطان - لعنه الله - وفي {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}[الفلق: ١]، مثلها وفاعل {حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} هو العبد، وانظر القرآن سورةً سورةً ينسب الفعل إلى فاعله غير الآيات الصريحة مثل: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الواقعة: ٢٤]، و {يَكْسِبُون}، {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}[البقرة: ٢٨٦]، {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ}[الانفطار: ٥]، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا