[الجواب على شبهة من يقول: لو وقع في ملك الله ما لا يريد كان مغالبة لله ومقاهرة]
  وأما قوله: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}[يونس: ٩٩]، فالمراد لو شاء أن يؤمنوا بالجبر والإكراه دليله آخر الآية وهو: {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[يونس: ٩٩]، {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}[البقرة: ٢٥٦]، {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف: ٢٩]،
[الجواب على شبهة من يقول: لو وقع في ملك الله ما لا يريد كان مغالبة لله ومقاهرة]
  نعم، قد يتستّر ويقول: لو وقع في ملك الله ما لا يريد كان مغالبة لله، ومقاهرة.
  والجواب والله الموفق: أنه لا يكون كذلك إلا إذا لم يكن الله قادراً على منعهم، وكان عاجزاً عن ردعهم، أما إذا اقتضت حكمته أن يجعل لهم قدرة على الفعل والترك، ويحذرهم، وينذرهم؛ ليستحق المطيع التشريف، والتكريم، ويستحق المجرم الإهانة، والتعذيب ولو أراد لقهرهم، وغلبهم فليس بمغالبة كما قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[يونس: ٩٩]، فعَرَّف نبيه ÷ أنه لا يريد الإكراه، والجبر، ولو أراد الفعل لوقع، دليله آخر الآية، وهو: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[يونس: ٩٩].
  وقال سبحانه وتعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى}[النحل: ٦١]، وقال: {وَلاَ تَحْسِبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ}[إبراهيم: ٤٢]، {فَلاَ تَحْسِبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}[إبراهيم: ٤٧].
  فهذه الآيات توضح وتبين لنا أنه لم يُغْلَب، وإنما اختار تأخيرَ الانتقام.
  وقد بين أن الأفعال بمشيئتهم، وأنه ترك لهم الاختيار بقوله: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا}[الكهف: ٢٩]، وقوله: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}[البقرة: ٢٥٦]، ونحوهما.