[صفات الله تعالى الذاتية]
  ويقولون: إن الذي أثر في العالم علة كهذه العلل أوجبت وجوده، ولا يمكن أن يتخلف عنها، ولو تخلف عنها لم تكن علة فيه؛ لأنَّ من شأن العلة أن لا يتخلَّفَ معلولها عنها؛ لأنَّ تأثيرها ليس كتأثير الفاعل تأثير اختيار؛ بل أن بينها وبين معلولها تلازماً لا تنفك عنه، ولا ينفك عنها، فإن كانت قديمة فهو قديم مثلها، وإن محدَثة فمحدَث، كملازمة النار للحرارة.
  الثاني: أن العلة والمعلول متقارنان ليس أحدهما متقدماً على الآخر، فليس أحدهما بالتأثير أولى من الآخر، وتلازمهما لا يدل على ما يدعونه من التأثير.
[صفات الله تعالى الذاتية]
  ١١ - أَحَاطَ عِلْمَاً بِكُلِّ الكائناتِ فَلا ... يُحْتَاجُ في حِفْظِهَا رَقْمٌ ولا رَصَدُ
  ١٢ - وَمُبْصِرٌ في الدَّياجي كُلَّ خافيةٍ ... لا يَعْتريه الْعَمَى عَنْها، وَلا الرَّمَدُ
  ١٣ - لأنَّه خَلَقَ الأَشياءَ مُحْكَمةً ... وفي عجائبها التَّبْيِيْنُ والرَّشَدُ
  هذه الأبيات، اشتملت على:
  ١ - أنَّه عالِمٌ بكلِّ الكائنات، فهو العالِمُ بما مضى، والحاضر، وما سيكون، وكلما يُمكن العلم به، وبما لا يكون كيف يكون لو كان.
  ٢ - وعلى أنَّه بصير.
  أما الدليل على أنَّه عالم: فهو أنَّه خلق الأشياء محكَمَةً، متقنة غاية الإحكام والإتقان، ولو لم يكن عالِمًا، لكانت أفعالُه عشوائية، كما أنَّ العالِمَ بالخياطة، والنجارة، والكتابة وسائر الصناعات يُتْقِنُ صنعتها، والجاهل لا يتقنها.
[شيء من عجائب الإحكام والإتقان]
  ونريد أن نلفت الناظر إلى بعض عجائبها، فأوَّلُ شيء نذكر خلقُهُ للإنسان، فإنَّه خلقه خلقاً متقناً، فجعل فيه البصر الذي لا تستقيم حياته، ومزاولة أعمال معيشته إلاَّ به.