[بحث في المحكم والمتشابه]
  عنه، فإذا ثبت أن الآيات لا يمكن حملها على ظاهرها، لا في العين، والأعين، ولا في الوجه والجنب، وأنه لا بد من تأويلها عندنا وعندهم لم تثبت لهم بها حجة؛ لأنهم إنما يحتجون بظاهر الآيات، وقد امتنع حملها على ظاهرها عند الجميع فلم يبق إلا التأويل، وليس تأويلهم بأولى من تأويلنا، فتأويلنا تعضده حجج العقول، والقرآن، أما القرآن فقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى: ١١]، ولو كان له وجه وأيدي وأعين وجنب حقيقة كان له مِثْل ولزم التشبيه، وأما حجج العقول فقد تقدمت.
[بحث في المحكم والمتشابه]
  وأما ثانياً: فاعلم أن الله سبحانه وتعالى يقول: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}[آل عمران: ٧]، فحَكَم على الذين يتبعون المتشابه بالزيغ.
  وليس المراد رفض المتشابه؛ لأنَّه قد خاطبنا به، ولو رفضناه رفضاً باتاً لكان إنزاله وخطابنا به عبثاً عرياً عن الفائدة، ولكنه قد عرفنا كيف العمل بهما؟ وما هو المعول عليه منهما؟ بأن جعل المحكمات المعول عليها، والتي يرجع إليها، وأن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه.
  فدلنا بهذا على أن ليس المراد رفضه، وإنما المراد رده إلى المحكم، وأن الراسخين في العلم هم الذين يعلمون كيفية رده إلى المحكم.
  وكذا ليس المراد أن لا نعمل بظاهر المتشابه دائما، فإذا لم يصرفنا عن العمل بظاهره صارف لا لفظي ولا عقلي، ولم يتعارض مع المحكم وجب تبقيته على ظاهره، والعمل بظاهره، وهذا هو القانون اللغوي في مدلولات الخطاب.
  هذا إن قلنا: إن المتشابه هو الذي يحتمل معنيين، أو معان متضادّة، أو متناقضة مطلقاً، إما بطريقة المجاز، أو الاشتراك، أو غيرهما كالعموم، والخصوص، والإطلاق، والتقييد ونحوهما.