[المسألة الأولى في إثبات الصانع]
  السؤال عنه لو لم يكن موجباً للشكر عليه. وقال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيِّتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ٣٣ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ٣٤ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ ٣٥}[يس]، وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ٧١ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ ٧٢ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ ٧٣}[يس]، وأي فائدة في تعداد النعم ثم تعقيبها بالاستنكار والتوبيخ على عدم الشكر عليها لو لم تكن توجب الشكر، وأنا نعرف ذلك بعقولنا، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ}[المائدة: ١١]، ونحو ذلك في القرآن كثير.
[المسألة الأولى في إثبات الصانع]
  إذا عرفت هذا فليس لنا طريقٌ إلى معرفة الْمُرْسِلِ بالمشاهدة، ولو كان يُعْرَفُ بالمشاهدة لم تحتج الرسل إلى المعجزات، فليس لنا طريق إلى معرفته إلاَّ النظر فيما خلق وأودع في هذا العالم من الأجسام والأعراض؛ أمَّا حدوث المشاهَدات اليومية فهو مدرك ضروري لا يحتاج إلى نظر، وأما غيرها فلا يمكن إثبات حدوثه إلا بالنظر لأنا لم نشاهد خلق السموات والأرض والجبال والبحار والشمس والقمر والكواكب، ولا يمكننا أن نَحْتَجّ على حدوثها وخلقها بنحو قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}[الرعد: ١٦]، {لَخَلقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ}[غافر: ٥٧]، ونحوها على الكفار الملحدين، والذين ينكرون حدوث العالم، وينكرون الرب جل وعلا؛ لأنَّ كلامه تعالى لا يكون حجة إلا إذا ثبت وجوده، وأنه عدل حكيم، ولا يثبت ذلك إلا إذا ثبت حدوث العالم فيلزم الدَّوْر؛ لأنَّ حدوث العالم مترتب على إخباره، وحجية إخباره مترتبة على معرفة وجوده عدلاً حكيماً، ومعرفة وجوده مترتبة على حدوث العالم والدعاوى - مجردة عن البرهان - لا