[شبهة في الجبر، وجوابها]
  علم الله جهلاً.
  قيل له: العلمُ مطابقة الواقع، ولا يمكن أن يتخلف، سواءً كان من الله، أو من غيره؛ لأن هذا خلاف حقيقة العلم.
  وأما الذي تارة يطابق، وتارة لا يطابق فليس بعلم بل هو الظن.
  وقد أوضحنا فيما سبق أن الفعل والترك يحصلان باختيار العبد، وبحسب إرادته، ودواعيه، وصوارفه، وأنا نعلم هذا ضرورة لا شك فيه، ولا ريب.
  ونحن نؤمن، ونعترف بأنَّ الله يعلم بأن العبد يفعل الفعل، أو يتركه باختياره، وهو يقدر على العكس، ولا يمكن أن يتخلف العلم، أو المستقبل لأنه خلاف حقيقته.
  فإن قلتم: إنه يعلم بأنه سوف يفعله باختياره، وهو يقدر على العكس - فليس بجبر؛ لأنَّ الاختيار خلاف الجبر ونقيضه، ولا تقدرون أن تثبتوا أن الله يعلم بأن العبد يفعله بغير اختياره، ولا يقدر على الترك؛ لأنَّه خلاف المعلوم ضرورة، ولا يمكن أن يكون العلم خلاف المعلوم؛ لأنَّه خلاف حقيقته، ولا نسلم هذا لو ادعيتموه، وكل دعوى بدون برهان فهي عاطلة كما أوضحناه سابقاً.
  ويؤيد هذا: قول الله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}[فصلت: ١٧]، فهل تقولون: إن الله قد علم قبلُ أنهم يستحبون العمى على الهدى؟
  فإن قلتم: إن الله قد علم ذلك فقد أقررتم بما نقول.
  وإن قلتم: إن الله لم يعلم قبلُ لزمكم أن الله لا يعلم الأشياء قبل وقوعها، فلا يلزمنا ما ألزمتمونا سابقاً، ولزمكم تجهيل الله.
  وإن قلتم: إن الله قد علم سابقاً أنهم لا يستحبون، فقد أكذبتم الله في قوله، وكفرتم بما قال.
  ثم نقول لهم: إن الله قد علم بأنه سيخلق السموات، والأرض، والجن، والإنس، والملائكة، والجنة، والنار، والمخلوقات كلها قبل خلقها، فهل الله مجبور على الخلق؟ أو إنما علم أنه سيخلق باختياره؟ وهو قادر على الترك؟ فما