القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد،

الحسين بن يحيى بن محمد (المتوفى: 1435 هـ)

[شبهة وجوابها في تكليف ما لا يطاق]

صفحة 104 - الجزء 1

  وترك عبادتها. وإنما أخبرهم بأنهم يستحبون الكفر على الإيمان، وأن المعجزات لا تصرفهم عن هذه الإرادة، كما قال في ثمود: {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}⁣[فصلت: ١٧]،؛ لأن كبار قريش أتوا إلى النبي ÷ وأرادوا أن يُعَجِّزُوه؛ تقوية لكفرهم، وإبطالاً لنبوءته ÷، وطلبوا منه أن يأمر الشجرة أن تأتي، فإذا فعل هذا آمنوا به، وهم يعتقدون أنه لا يقدر على ذلك، فأخبرهم بأن الله على كل شي قدير، وأنهم لا يؤمنون وإنْ فعل، وأنَّ منهم من يقتل في القَلِيب، وأن منهم من يحزب الأحزاب، ثم أمر الشجرة أن تأتي فأتت تخط في الأرض، ثم طلبوا منه أن يأمرها أن تعود، فعادت، فقالوا: ساحر.

  فكان من هذه معجزتان: إتيانُ الشجرة ورجوعها، ووقوع ما أخبرهم به في المستقبل.

  فليس المراد تكليفهم بالعلم بالكفر، فهم عالمون به، ولا أن يكفروا، وإنما يريد أن يخبرهم بأنه عالم بما في نفوسهم، وأنهم يختارون الكفر على الإيمان.

  فهل يريد أبو الحسن الأشعري أن الله كلفهم بالإيمان، والكفر؛ لأن من لازم التكليف بالإيمان بالكفر أن يكفروا، وما لا يتم الواجب إلا به يجب كوجوبه؟ وهذا ما لا يقول به كافر فضلاً عن مسلم، انظر كيف بلغ به التعصب إلى أن التزم أن النبي ÷ داعية إلى الكفر، وكذلك الله أيضاً؛ لأنه كما قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}⁣[النجم: ٤].

  انظر كيف بلغ به علمه إلى تجاوز حد الكفر، ومن المعلوم الذي لا شك فيه أنا لم نُكلف بمعرفة كل ما جاء به القرآن، فلسنا مكلفين بمعرفة غاسق إذا وقب، ولا ما هي النازعات غرقاً، ولا الناشطات نشطاً، ولا بمعرفة الأَبِّ في قوله: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا}⁣[عبس: ٣١]، ونحو ذلك.

  وإنما التكليف بفعل الواجبات، وترك المحرمات، ولا يتم ذلك إلا بمعرفتها، والإيمان بالله وحده، ورسله، وملائكته، وكتبه، وبالدار الآخرة.