[تنزيه الله تعالى عن الرضا بالمعاصي]
  وأما التهديد فهو في القرآن كثير، نحو قوله تعالى: {وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ نُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا}[النساء: ١٤]، {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاَ أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا}[النساء: ١٢٣]، {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}[النساء: ٩٣]، {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ٦٨ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ٦٩}[الفرقان]، {فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة: ٢٧٥].
  وكون أفعال العباد كلها الطاعة والمعصية بمشيئة الله وإرادته هو مذهب المشركين - لعنهم الله - وقد حكاه الله ورده بأبلغ الرد، قال الله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ}[الأنعام: ١٤٨]، وقد يتستر من يقول بمثل هذه المقالات السخيفة، والأقوال البشعة بشبهة ضئيلة لا تستره، ولا تخرجه من هذا المأزق الذي وقع فيه، ألا يستحي ممن خلقه، ورباه، ورزقه، وأعطاه، وشق سمعه وبصره، وهداه، وخلقه في أحسن تقويم، وفضله على كثير من المخلوقات.
  فوالله الذي لا إله إلا هو إننا لو عبدنا الله طيلة أعمارنا، وشكرناه بجميع أنواع الشكر، وخضعنا له غاية الخضوع، وتواضعنا له نهاية التواضع، ما جازيناه، ولا كافأناه.
  انظر أيها العاقل إلى الملائكة À حين عرفوا الله حق المعرفة: {لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم: ٦]، {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ}[الأنبياء: ٢٠]، {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا}[النبأ: ٣٨]، وهم مع هذا كما قال الله سبحانه فيهم: {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}[الأنبياء: ٢٨].