القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد،

الحسين بن يحيى بن محمد (المتوفى: 1435 هـ)

[الجواب على شبهة من يقول: لو وقع في ملك الله ما لا يريد كان مغالبة لله ومقاهرة]

صفحة 108 - الجزء 1

  وأما قوله: {وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُوا}⁣[الأنعام: ١٠٧]، فالمراد به مشيئة الجبر دليله: {وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ}⁣[الأنعام: ١٠٧].

  وكذا كلما ورد في القرآن من ما يدل على أنه لو شاء ما فعلوا، فلا يلزم منه أن يشأ معصيتهم له؛ وذلك لئلا يلزم أن يكون القرآن متناقضاً، ولمخالفته لأدلة العقل، ولقوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}⁣[النساء: ٨٢].

  وقد صرح الله أنه قد وقع في ملكه مالا يريد فهل غُلِبَ؟ أو قُهِر؟ قال تعالى: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ}⁣[البقرة: ٢٠٥]، وأخبر أنه وقع فقال تعالى: {فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ}⁣[الفجر: ١٢]، {وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}⁣[الزمر: ٧]، وقد وقع قال الله تعالى: {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ}⁣[النحل: ١١٢].

  وقال: {لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}⁣[الأعراف: ٣١]، وقد وقع، قال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ}⁣[الدخان: ٣١]، وقال: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ}⁣[الإسراء: ٣١]، {وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ}⁣[الإسراء: ٣٣]، {وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى}⁣[الإسراء: ٣٢]، {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ}⁣[الإسراء: ٣٥]، {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}⁣[الإسراء: ٣٦]، {وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ}⁣[الإسراء: ٣٤]، {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ}⁣[الإسراء: ٣٤]، {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً}⁣[الإسراء: ٣٧].

  ثم قال بعد ذلك كله: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئَةً عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}⁣[الإسراء: ٣٨].

  وقد وقع كلما أخبر أنه مكروه. بعضُه قد علمناه، وبعضُه قد أخبر الله تعالى أنه قد وقع.

  فهل هذه مغالبة، ومقاهرة حين حصل ووقع في ملكه ما لا يريد؟!.

  ولو تأملت في القرآن لعثرت على شيء كثير من هذا النوع، وانظر في الآيات التي سنوردها بعدُ التي تنص على مالا يرضاه، أو يرضى به وقد وقع خلاف ذلك.