[بحث في قبح الكذب وتنزيه الله عنه]
الوعد والوعيد
  ٤٤ - ووعده والوعيد ليس يُخلفهُ ... والكذْبُ للعاجز المرذول مُعْتَمَدُ
  قد قررنا وأثبتنا فيما سبق أن الله غني ليس بمحتاج، وأنه منزه عن القبائح؛ لأنَّه عالم بقبحها، واستغنائه عنها.
[بحث في قبح الكذب وتنزيه الله عنه]
  والكذب من جملة القبائح المذمومة الذي لا يستخدمه إلا السفلة الضعفاء، ليتوصلوا به إلى نيل أغراضهم.
  والشرفاء ينزهون أنفسهم عنه - وإن دعتهم الحاجة إليه - فكيف بمن ليس له أي حاجة، ولو يريد طاعة العبيد على أي حال لم يحتج إلى هذه الوسيلة الرذيلة التي لا يستخدمها إلا السفلة، الضعفاء العاجزون.
  كيف ولا تنفعه طاعتهم، ولا تضره معصيتهم.
  ولما أراد الله انتشار الذراري، والحيوانات في العالم على كل حال اتخذ وسيلة عجيبة تدل على حكمةٍ، وقدرة بلغتا مبلغاً عظيماً.
  فانظر إلى هذه الوسيلة التي بلغ بها مراده وهي أنه جعل للذكر داعياً إلى الأنثى، وللأنثى داعياً إلى الذكر، داعياً عظيماً يتحملون معه المشاق العظيمة، ويعانون من أجله المتاعب الكبرى.
  وهو يقدر أيضاً بغير هذه الوسيلة كما خلق آدم من تراب.
  لكن لحكمةٍ اقتضاها علمه. منها: تبيين حقارة هذه الدنيا الدنيئة، فلو أراد ذلك لجعل للعباد داعياً قوياً إلى طاعته كهذا الداعي.
  ولا يحتاج إلى الكذب المذموم، لكن الحكمة اقتضت اختبارهم؛ ليكون الشاكر المطيع الصابر أهلاً للتشريف، والتعظيم، والإكرام، وليستحق العاصي الكافرُ لنعم الله الإهانةَ، والتعذيبَ بعد الإعذار، والإنذار، والتمهيل.