[الجواب على من أثبت الموزانة]
  والقول بهذا التأويل ضعيف جداً لا يتمشى مع قواعدنا، ومذاهبنا، ومذاهب من يقول بهذا التأويل وقواعدهم؛ لأنَّه فتح لباب الإرجاء، ويلزم منه الإغراء بالقبيح، والإغراء بالقبيح قبيح عند الفريقين اللذين اختلفوا في تأويله.
  وبعضهم ذهب إلى أنه كناية عن العدل، وقد احتجوا بقوله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ...} الخ [الأعراف: ٨]، وبما قد قدمنا من امتناع وزن الأعراض، وبما سنبينه.
  أما فتح باب الإرجاء؛ فلأنَّ الذي يعمل المعاصي يبقى له رجاء بأن طاعاته تزيد على معاصيه، ولا تضره المعاصي إذاً.
  ولأنه يكون إغراء بها أيضاً؛ لأنَّه يحاول أن يكون له طاعات كثيرة، تزيد على عدد المعاصي، ويتجرأ على فعل المحرمات، ويضيف معها أعمالاً صالحة أكثر منها.
  هذا إن فرضت الموازنة بين الصغائر، والكبائر، والحسنات بالعدد.
  لأن الذي يدعوه هواه إلى فعل الكبائر، وملازمتها يمكنه أن يضم معها كثيراً من الطاعات مثلها أو مثليها، أو أقل؛ لأنَّ السيئة بمثلها، والحسنة بعشر أمثالها، ويكون طيلة عمره متجرئًا على الكبائر، وهذا إغراء بالفواحش والكبائر، وهو قبيح.
  ومعنى الموازنة هنا بالعدد، أنه إذا كان لك مائة حسنة عادلت ألف سيئة، فإذا زادت إحداهما غلبت الأخرى.
  وأما إن فرضت الموازنة بين الصغائر والحسنات فلا يخلو إما أن لا يكون قد اجتنبت الكبائر فالموازنة لا تفيد؛ لأن الحسنات إذا رجحت وثَمَّ كبائر لم يستفد منها؛ لأنَّ الكبائر توجب له النار، وقد أبطلنا الموازنة بين الحسنات والكبائر.
  وإن كانت الموازنة بين الصغائر والحسنات وقد اجتنبت الكبائر لم يكن للموازنة معنى؛ لأنَّ الصغائر مَلْغِيَّةٌ مُكَفَّرةٌ مع اجتناب الكبائر، لقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}[النساء: ٣١].
  فإن قالوا: الموازنة بين الصغائر والحسنات لنقص الدرجات وزيادتها التي قد تسبب لها الصغائر.