[خطبة حول العقل]
  والفضائح على المستوى البشري بأكمله، ثم حين يؤتى كتابه بشماله فيقول والحسرةُ تغمره والحياء يعلوه والخوف قد أحاط به، يتمنى ولكن حين لا ينفعه التمني فيقول: {يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ٢٥ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ٢٦ يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ٢٧}[الحاقة]، ثم يتحسر حين لا ينفعه ماله ولا سلطانه، ويقول بحزن لا ينتهي وأسف دائم وندامة غير منقطعة يقول: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ ٢٨ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ٢٩}[الحاقة]، وهنالك يُعْلَن الأمر الجازم الصارم من العزيز الجبار القاصم إلى زبانية جهنم: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ٣٠ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ٣١ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ ٣٢ إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ٣٣ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ٣٤ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ ٣٥ وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ ٣٦ لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ ٣٧}[الحاقة].
  فاهتموا عباد الله بتحصيل ذخائر العقبى، وقدموا من أعمال البر ما يزيدكم إلى الله قربا، واعملوا ما دام العمل ينفع وفي العمر متسع {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ١٠}[المنافقون]، {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ٥٥ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ٥٦}[الزمر].
  قبل الحسرة والندامة، والوقوف على عرصات القيامة، حينما تُسأل عن سمعك الذي تعرف به نداء الحق من تلكؤ الباطل ولحنه، وعن بصرك الذي تدرك به سبيل الهدى ومنار التقوى، وتشاهد به جيشات الأباطيل وعاقبة المبطلين، وعن عقلك الذي هو حجة لك أو عليك وميزك به على كثيرٍ من الخلق تكريماً منه سبحانه وتعالى، وهو المعبر عنه بالفؤاد من باب تسمية الحالِّ باسم محله في قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ٣٦}[الإسراء].