[خطبة حول العقل]
  ويستطيع بهذا العقل العجيب أن يعرف واجبه الإنساني من استعمال العدل مع سائر أبناء جنسه وغيرهم، حيث أرشده العقل إلى معرفة قبح الظلم وحسن العدل، وإلى أن السعادة الحقيقية لا تحصل ولن تحصل إلا بالعدل في معاملة الآخرين، وإلى تجنب الظلم والجور على الإطلاق.
  ويستطيع الإنسان بهذا العقل أيضاً أن يعرف كافة الواجبات العقلية، كشكر المنعم وبر الوالدين وصلة الأرحام وتجنب الآثام، وأن يعرف ويتقبل الواجبات الشرعية، وأن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأنه لا يصحبه إلى الآخرة إلا عمله الذي قدمه، والعمل لذلكم المنزل ولما بعده من الأهوال التي ذكرها فضلاً عن مشاهدتها مذهل، يوم يبرز ذلكم الجد الصارم والهول القاسم، يوم يتنزل غضب الله الجبار الحاكم، وأخذه الشديد الحاسم، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية، حين يعرض أولياء الله والفرحة تملأ جوانحهم، والسرور قد غشيهم، فيهتفون أمام الجموع العظيمة المحتشدة في يوم العرض الأكبر، حين يؤتَون كتبهم بأيمانهم يهتفون قائلين: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ١٩ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ٢٠ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ٢١ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ٢٢ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ٢٣ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ٢٤}[الحاقة].
  أما المجرمون العصاة الذين لم يستعملوا عقولهم لما خلقت له، فإنهم حينما يعرضون أمام هذا الحشد العظيم، بل أمام الله وأمام ملائكته وأمام أنبيائه ورسله، وأمام أهل الجمع - يعرضون حينئذ مكشوفة أسرارهم، مهتوكة أستارهم، ظاهرة سرائرهم، بادية عيوبهم، لا يملكون أي حيطة، ولا يجدون سبيلاً إلى التخلص من هذه الفضائح، ولا لما بعدها من العذاب المهين، لا مكر يومئذ ينفعهم، ولا حيلة تجديهم، ولا صديق ولا حميم يرق لهم، فيا لها من فضيحة ما أخزاها، ويا لها من ندامة ما أتعسها وأقساها، حينما ينكشف ما كانوا حريصين على ستره حتى من أنفسهم ومن أقرب قريب لهم، حينما تظهر المعائب