[الخطبة للجمعة الأولى من شهر رمضان]
[الخطبة للجمعة الأولى من شهر رمضان]
  وفيها بعد الموعظة بعض فوائد الصوم وآثاره
  أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﷽
  الحمد لله رب العالمين، الحمد لله المختص بالقدم، وإخراج العالم من محض العدم، الأول بلا بداية، والآخر بلا نهاية، ابتدع الخلق على غير مثال، فصار كل ما خلق حجة له ودليلاً عليه وإن كان صامتاً فحجته بالتدبير ناطقة، ودلالته على المبدع قائمة.
  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ومولانا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين.
  عباد الله، نتواصى بتقوى الله فتقوى الله هي الزاد وبها المعاد، وانظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها، فهي عما قليل تزيل الثاوي الساكن، وتفجع المترف الآمن، لا يرجع ما تولى منها فأدبر، ولا يدرى ما هو آتٍ منها فينتظر، سرورها مشوب بالحزن، ونهاية الناس فيها إلى الضعف والوهن، فكيف بكم إذا بلغ بكم الكتاب أجله، وألحق آخر الخلق بأوله وجاء مِن أمر الله ما يريد.
  كيف بكم إذا أماد السماء وفطرها، وأرجَّ الأرض وأرجفها، وقلع جبالها ونسفها، ودك بعضُها بعضاً من هيبة جلالته وخوف سطوته، وأخرج من فيها فجددهم بعد خلاقهم، وجمعهم بعد تفرقهم، ثم ميزهم لما يريد من مُسَاءلتهم عن خفايا الأعمال وبواطن الأفعال، {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ٣١}[النجم]، ويثيب المتقين بجواره ويخلدهم في داره، في دارٍ دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام.
  وينزل المجرمين في شر دار، تُغَل أيديهم إلى الأعناق، وتقرن نواصيهم بالأقدام، لباسهم سرابيل القطران، ومقطعات النيران، في دارٍ حرها لا يطفى، وعطشانها لا يروى، وأسيرها لا يفادى وجريحها لا يداوى، ومريضها لا يعافى.