درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

[الخطبة للجمعة الأولى من شهر رمضان]

صفحة 168 - الجزء 1

  فاتقوا الله الذين أنتم به مؤمنون، وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون.

  أيها المؤمنون، لقد أناخ بساحتنا ضيف كريم، وتطلعت علينا أنوار فضل جسيم، شهر شرفنا الله تعالى بوفوده، وتطلع علينا بأنواره وسعوده، ضيف يشتاق لوصوله الأبرار، ويرتاح لقدومه المفلحون الأخيار، ضيافته قراءة القرآن، وإكرامه سهر العيون والأجفان، ضيف لا يطرق علينا الأبواب، ولا يستأذن علينا الحجَّاب.

  إنه شهر الله العظيم، شهر رمضان الكريم، {الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}⁣[البقرة: ١٨٥]، شهر العطاء والرحمة، شهر التضحية والبركة، شهر الهداية والنور، شهر الصلاة والصيام والعبادات والقيام، شهر الانتصار على الرغبات والفوز على الشهوات، شهر التفتح على ملكوت السماء، والتحلق برحاب الله، شهر أبان الله فضله بما جعل له من الحرمات الموفورة، والفضائل المشهورة، حرم الله فيه ما أحله في غيره إعظاماً، وحجز الطعام والشراب عنا فيه إكراماً.

  وأعيروني مسامع قلوبكم لنستمع معاً إلى ما يقول منقذ البشرية سيد الأولين والآخرين محمد ÷ في فضل هذا الشهر وعظمته، وما ينال المؤمنون فيه من الأجور العظيمة والنعم الجسيمة، فعن علي #، قال: خطب رسول اللّه ÷ في آخر جمعة من شهر شعبان، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال: «أيها الناس، إنه قد أظلكم شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، وهو شهر رمضان، فرض اللّه ø صيامه، وجعل قيام لَيْلَة منه بتطوع صلاة كمن تطوع سبعين ليلة فيما سواه من الشهور. وجعل لمن تطوع فيه بخصلة من خصال الخير والبر كأجر من أدى فريضة من فرائض اللّه ø فيما سواه. ومن أدى فريضة من فرائض اللّه ø فيه كمن أدى سبعين فريضة من فرائض اللّه ø فيما سواه من الشهور، وهو شهر الصبر، وإن الصبر ثوابه الجنة، وهو شهر المواساة، وهو شهر يزيد اللّه تعالى فيه في رزق المؤمن. ومن فَطَّر فيه مؤمناً صائماً، كان له عند اللّه عزّ