درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

خطبة في توحيد الله ø

صفحة 17 - الجزء 1

  وقد أشار القرآن الحكيم إلى هذا الأمر الفطري في عدة آيات، ومن ذلك ما يقول العلي الأعلى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ١٦٤}⁣[البقرة].

  فنظام العالم نظام موحد، يدلنا بحق على الإله الواحد فكل شيء في هذا العالم مرتبط بالشيء الآخر، فلولا الماء لم يكن النبات، ولولا النبات لم يكن حيوان، ولولا النبات والحيوان لم يكن إنسان، ولولا الشمس لم يكن حي، ولولا الهواء لم يعقل وجود شيء نام، حتى إن العلماء يذكرون أن بقاء الإنسان يرتبط ارتباطاً وثيقاً بخوافي أجنحة الطير فلولا الخوافي هذه لم تكن قوادم، ولولا القوادم لم يطر طائر، ولولا الطير لامتلأ الهواء والأرض بالهوام التي تفسد الزرع والضرع، وبفسادها يهلك الإنسان.

  فهذا النظام الموحد لا يكون إلا عن إله واحد، وقد أشار القرآن الحكيم إلى ذلك قال الله ø: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ٩١}⁣[المؤمنون]، {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}⁣[الأنبياء: ٢٢].

  ومن هنا عُرِفَتْ وتُحُقِّقت صفات الله التي هي العلم والقدرة والحياة والحكمة والوجود والقِدَم وغيرها من صفات الكمال؛ يدل على جميع ذلك ما سبق ذكره في صنع الأشياء المتقنة وإبداع المخلوقات العظيمة؛ إذ لا يمكن أن تكون إلا من حي قديم وقادر عليم وحكيم خبير وسميع بصير، وعزيز مريد.

  ودلتنا العقول على العلم بأن الله صادق فيما يبشر وينذر ويخبر لا يكذب أبداً ولا يخلف الميعاد، ذلك لأن أسباب الكذب تكاد تنحصر في ثلاثة أمور: إما خبث في نفس الكاذب، وإما افتقار إلى جلب نفع بالكذب أو دفع ضرر، وإما جهل بالحقيقة.