درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

خطبة في توحيد الله ø

صفحة 18 - الجزء 1

  وكلها فالله منزه عنها، فلا يتطرق إليه زيغ أو فساد، وهو القادر فلا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، والعالم الذي لا يجهل صغيراً ولا كبيراً، كائناً أو يكون.

  ودلتنا العقول كذلك على أن الله هو الغني بكل ما لهذه العبارة من معنى، غني في وجوده فلا يحتاج إلى خالق، وغني في ملكه فلا يحتاج إلى من يُملِّكه، وغني في علمه فلا يحتاج إلى معلم، وغني في خلقه فلا يحتاج إلى مشير أو ظهير، غني في ذاته فلا يحتاج إلى آلة أو تجربة، وغني في أحواله فلا يحتاج إلى خزينة أو رصيد أو ما يفتقر إليه الأغنياء من البشر الذين لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً.

  وأعظم دليل على أنه غني هو ثبوت القدرة العظيمة له التي لا حد لها ولا نهاية.

  وعلمنا على وجه الحقيقة أن الله عادل؛ لأن أسباب الجور هي إما الجهل بالحق، أو الافتقار إلى نفع بالجور أو دفع ضرر، أو الميول لقرابة أو صداقة، أو العجز عن الاستيفاء بالحق فيجنح إلى الباطل والجور، أو خبث في الجائر ومحبة للباطل.

  فهل يتوفر سبب من هذه الأسباب بالنسبة إلى الله جل وعز وتعالى؟! كلا وألف كلا، فهو جل ثناؤه وتقدست أسماؤه العدل الذي لم يقض بالفساد على أحد من خلقه، ولم يظلم منهم كبيراً ولا صغيراً ولا عزيزاً ولا حقيراً، بل أرشدهم جميعاً وهداهم، وبالنعم الجليلة الجزيلة ابتدأهم.

  لم يصدهم عن رشدهم، ولم يحل بينهم وبين نجاتهم، ولم يمنعهم هدايتهم، ولم يكلفهم فوق طاقتهم، ولم يكن علمه بعصيانهم مانعاً لهم عن توبتهم وإقلاعهم عن خطيئاتهم.

  وهو البرئ من ذنوبهم، والناهي لهم عن ظلمهم، والداعي لهم إلى خلاصهم، والمبتدئ بالفضل والإحسان إليهم، أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.

  أمر تخييراً ونهى تحذيراً، وجاءت الرسل À بالإعذار والإنذار، وللترغيب في الجنة والتحذير من النار؛ إذ لم يقدّر الإله الحكيم ذنوبهم، ولم يصدَّ