درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

خطبة في توضيح منافع الحج وفوائده

صفحة 210 - الجزء 1

  {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}، إن الحج هو تلكم العبادة العظيمة، وهو ذلكم المؤتمر الإسلامي الكبير، الذي يجتمع ويشترك فيه الملايين من المسلمين على اختلاف طبقاتهم وهيئاتهم وألوانهم وأجناسهم.

  وإن من المنافع التي يريدها الله لخلقه هي الوحدة والأخوة الصادقة؛ إذ من الحج يشهد المسلمون أروع مظاهر المساواة والتواضع والأخوة الإنسانية، بإلغاء الامتيازات والفوارق وخلع أسباب الظهور، فإنك ترى مئات الآلاف من الحجيج يظهرون في لباس عبادي موحد: إزار ورداء من لون واحد، يؤدون مناسكهم في زمن واحد، وعلى موعد واحد، وفي أرض واحدة، يرددون هتافات واحدة، ويمارسون شعاراً واحداً، ويتجهون لغاية واحدة، وهي الإعلان عن إخلاص العبودية لله وحده، والتحرر من آثار الجاهلية.

  إن الحجاج ليستشعروا وحدة الأرض؛ فهم لذلك يقطعون آلاف الأميال، ويخترقون كل الحواجز التي صنعها الاستعمار وعملاؤه، وفرقوا بها بين البلد الإسلامي الواحد، ويجتازون الموانع التي صنعتها يد الأطماع على أرض الله الواحدة، يفعلون كل ذلك استجابة لنداء الله الواحد الأحد، وتلبية لنداء الإيمان والدين الواحد.

  وبالإضافة إلى أن الحج عبادة عظيمة وقربة إلى الله، فإن فيه فوائد أخرى ومنافع ثقافية وتربوية، تساهم في بناء مجتمع إسلامي بناء صحيحاً، وفي الحج أيضاً فوائد ومنافع اقتصادية عظيمة، وذلك عن طريق النقل والاستهلاك وحمل البضائع وتبادل النقود، وشراء الأضاحي ومستلزمات الحج، فبذلك ينتفع الكثير من المسلمين، كما أنه يتعود كل فرد على الصبر وتحمل المشاق ويتعود أيضاً على التواضع واللين، وعلى حسن المحادثة والتعاون مع الآخرين.

  وبالحج أيضاً يتعود الأفراد على الألفة والتعارف عن طريق السفر والاختلاط بالناس، ويتعود أيضاً على الصدق وعلى ترك الخصومات والتكبر، ومن هنا تنمو لديه الروح الاجتماعية، وتتهذب ملكاته الأخلاقية، عن طريق الممارسة التربوية، والتفاعل