خطبة في توضيح منافع الحج وفوائده
  والتعظيم، وينتظران أن يكون لهذا البيت العظيم شأن عظيم، وهكذا شاء الله أن يكون كذلك، وشاء الله أن تكون هذه البلد حرماً آمناً، وشاء أن يخصب هذا الوادي الجديب بأغراس الإيمان، وشاء الله أن يزدحم هذا الرحاب المقفر بقلوب الوالهين، ويزدحم هذا المكان المنقطع بمناكب الطائفين، وشاء الله أن يضج وادي الصمت بنداء الملبين، أراد الله ذلك فأوحى إلى خيله # قولَه: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ٢٧}[الحج].
  فينطلق # بالنداء وتستجيب له القلوب المؤمنة، وتتسابق قوافل الحجاج سعياً وتلبية جيلاً بعد جيل، وصدى صوت إبراهيم يتردد في مسامع الخلف عن سلفهم، نداءً خالداً تصغي إليه النفوس بسكينة، وهكذا صار الحج فريضة، وجاء خاتم الرسل سيدنا ومولانا محمد ÷، وكانت مكة المكرمة منطلق رسالته، وجاء بالإسلام فكان الحج أحد أركان دعوته، وكانت الكعبة قبلته ووجهته.
  فتوجه القرآن العظيم إلى المسلمين ببلاغه الواضح وندائه الصريح: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ٩٧}[آل عمران].
  فمنذ أن أطلق القرآن نداء الحج انطلق الحجيج يلبي ويستجيب للنداء، ويردد هتاف الحب والإخلاص والوفاء لله تعالى: «لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك».
  وهكذا كان نداء نبي الرحمة محمد ÷ الذي علم أمته، نداء تطلقه القلوب المستجيبة لنداء الله، لتعلن عن ولائها وصدق توجهها، متحدية المتاعب والمشاق، حباً لله وشوقاً إلى ارتياد أرض المقدسات ومواطن التعبير عن الإخلاص لله.
  أيها المؤمنون، إن الله تعالى يقول: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ٢٧ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}[الحج]، صدق الله العظيم.
  وإني أحب أن أشرح بعض هذه المنافع التي أنبأنا الله بها حين يقول: