عند قدوم يوم عرفة
  اقترفنا من السيئات نادمين، ومن كل المعاصي تائبين، وأن نكون لله فيما يأمرنا به طائعين، ولما زَجَرَنَا ونهانا عنه تاركين، ومن غفلتنا متيقظين، فما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير.
  أيها المؤمنون، نحن كما أسلفنا في أشهر عظيمة، هي أشهر الحج، وهي من الأشهر الحرم التي أخبرنا الله عنها في القرآن، ونحن في العشر الأولى من شهر ذي الحجة الحرام، وهي الأيام المعلومات التي أمرنا الله تعالى بذكره فيها، هي أيام إجابة الدعوات ومضاعفة الحسنات، هي أيام الاستقالة من الذنوب، هي أيام رفع الحوائج إلى الله، هي الأيام التي قيل فيها: «إن صيام التسعة الأيام الأولى منها تعدل صيام الدهر، وإن صيام كل يوم يعدل صيام سنة، وقيام كل ليلة منها تعدل قيام ليلة القدر». فاغتنموا فيها طاعة الله، ومن أفضل الطاعة إقامة الواجبات واجتناب المحرمات.
  أيها المؤمنون، إننا قادمون على يوم عظيم وهو يوم عرفة، الذي فضله الله تعالى على سائر الأيام وجعله موسماً لعتق الرقاب ومغفرة الرب التواب، وجعله ø متجراً لنيل الإفاضات، والمواهب العظيمة والخيرات الجسيمة، إنه يوم من أفضل أيام السنة، إنه اليوم العظيم الذي يقف فيه العبيد إلى باب الله الغني الحميد، يوم ينال فيه الحجاج من الله العفو والمغفرة والرضوان، يوم يجتمع فيه ملايين المسلمين على صعيد واحد بعرفات الله، متخلين عن المظاهر الدنيوية، رافعين الأكف ومتضرعين إلى رب العالمين، مقبلين على الله بقلوب منكسرة، أصواتهم عالية مرتفعة بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، مقبلين على الله بضمائر نقية، مفعمة بصادق الأمل وحسن الرجاء، متذكرين بجمعهم هذا اجتماعَ الخلائقِ يوم القيامة، ومتذكرين ما هنالك من الأهوال والفضائح، حين تنكشف الأسرار وتهتك الأستار، {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ٨٨ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ٨٩}[الشعراء].
  وفي كل لحظة يضجون بالتلبية: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك».