درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

خطبة فيها تنزيه الله عن الظلم والجور والحث على الأعمال الصالحة

صفحة 21 - الجزء 1

  أيها المؤمنون، إن الله جل وعلا يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}⁣[المائدة: ٣]، فأحسنوا صحبته بالسخاء وحسن الخلق.

  نعم، إن الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده إكراماً لهم وامتناناً عليهم، به ينجحون في الدنيا، وباتباعه يفلحون في الآخرة، فيجب على العباد أن يجاهدوا الأخلاق السيئة؛ لأن الإقامة عليها لا تتلاءم مع قدس الإسلام، يقول بعض الحكماء: «من أساء خلقه عذب نفسه»، فعلى كل عاقل أن يتخلص من هذا العذاب الذي هو ضعة وخسة في النفس ونقص في الإنسانية، وشذوذ عن التوازن، والتخلص من هذه الأخلاق هو جهاد النفس، الوارد في الرواية عن رسول الله ÷ التي معناها: انتهينا من الجهاد الأصغر ولنعد إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس، فالنفس عدو مخادع وخصم ألد، تحمل سلاح الغدر تحت ستار النصيحة، فهي عدو داخلي يجب إخضاعه بقوة العدل، يجب إخضاعه لحكومة العقل وإشاراته وإرشاداته التي يقرها الشرع الشريف، وهذا هو العدل، هذا هو العدل الذي يجب أن يتحلى به كل فرد من أفراد الأمة؛ إذ لا يكون الإنسان عادلاً حتى يخضع الشهواتِ لحكم العقل، فيغض طرفه عن المحارم، ويلجم الغضب بلجام الحكمة لتترفع نفسه عن المظالم، فهذا هو العدل وهذه هي العفة بمعناها الشامل.

  سئل الصادق # عن صفة العدل في الإنسان كما يروى عنه فقال: «إذا غض طرفه عن المحارم، وكف لسانه عن المآثم، وكف نفسه عن المظالم»، وقال في مناسبة أخرى: «من ملك نفسه إذا رغب وإذا رهب، وإذا اشتهى وإذا غضب، حرم الله جسده على النار».

  فالعادل حقاً من توازنت ملكاته واعتدلت أخلاقه، والرسول ÷ يقول: «من أنصف الناس من نفسه ظفر من الجنة بالغاية القصوى، ومن كان الفقر