درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

خطبة فيها تنزيه الله عن الظلم والجور والحث على الأعمال الصالحة

صفحة 22 - الجزء 1

  أحب إليه من الغنى، فليجتهد عباد الحرمين أن يدركوا فضل ما يعطى»⁣(⁣١).

  أيها المؤمنون، إن تهذيب الغرائز النفسية وإخضاعها لحكم العقل في مقدور كل عاقل، وكذلك الخروج عن مؤثرات البيئة والتربية هو في مقدور الإنسان وباختياره، فالإرادة حرة.

  أما القائلون بأن الإرادة مسخرة لما ينفذه القضاء وإن الإنسان مسير؛ فإنهم بذلك ينكرون المحسوس والمعقول، بل يبطلون أكثر التشريعات، سيما تشريعات القوانين للحد من الجرائم وفرض العقوبات على المجرمين.

  نعم، إن الإنسان إذا أحسن توجيه إرادته إلى أعمال الخير ومحاسن الصفات والأخلاق الفاضلة، فإنه الإنسان العظيم، وإن عكسه من يوجه إرادته إلى أعمال الشر ومساوئ الأخلاق؛ لأن الصفات الخلقية تتكون من زوجين اثنين متقابلين، فلا واحد بحق إلا الله الواحد الأحد الفرد الصمد، فهنالك خير ويقابله الشر، وهناك عدل ويقابله الظلم، وهناك نور وتقابله الظلمة، وهناك حرارة وتقابلها البرودة، وهناك تكبر ويقابله التواضع، وهكذا.

  ونحن هنا نحذر أنفسنا من التكبر، من هذا المرض الخبيث والفيروس المتمرد، هذا الداء الذي أنشب مخالبه في كثير من الخلائق من الأمم الماضية والحاضرة، وأودى بهم إلى الخلود في نار الجحيم واللعن مع الشيطان الرجيم، فعلينا جميعاً أن نأخذ الوقاية الكاملة، ونبحث عن الحصانة التي تحصننا من هذا الداء العظال وهذا الفيروس؛ لنضمن نجاة أنفسنا من عذاب الله الأليم، ولنرافق الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

  وأن تلكم الوقاية وذلكم الحصن الحصين هو إخلاص الأعمال لله، والتواضع للحق وأهل الحق، والائتمام بمن أمر الله ورسوله بالائتمام بهم، {فَلَا


(١) رواه الإمام المرشد بالله في الأمالي الخميسية عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده.