درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

[خطبة في ذكرى استشهاد الإمام زيد بن علي رضوان الله عليه]

صفحة 299 - الجزء 1

[خطبة في ذكرى استشهاد الإمام زيد بن علي رضوان الله عليه]

  

  الحمد لله رب العالمين، الذي أنطق الصامت ببديع حكمته، وجالت أبصار البصائر في عظيم عظمته، القديم الذي لم يسبقه شيء فتدركه الأوصاف، ولم يكن جسماً فتحويه الجهات والأطراف، ولم يكن مرئياً فتحيط به النواظر والأبصار، {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ١٠٣}⁣[الأنعام].

  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ومولانا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطيبين الأطهار، الصادقين الأبرار، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

  عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله فيما احتج به عليكم، وفيما قدمه إليكم، قبل انقطاع المدة، واستكمال العدة، فكأني بكم وقد نزلت بكم نازلة الفناء، وأخرجتم إلى دار البِلى، وأتاكم ما كنتم توعدون، وعاينتم ما كنتم تحذرون.

  فاتقوا الله عباد الله، وعودوا إلى رشدكم، واسلكوا طريق أهل الحق الذين إذا علموا عملوا، وإذا ذُكِّروا اتعظوا، {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ٢}⁣[الأنفال].

  فلنكن بما علمنا منتفعين، وللموت متأهبين، وعلى ما اقترفنا من السيئات نادمين، ومن كل المعاصي تائبين، وفيما أمرنا بأدائه مطيعين، ولما نهينا عنه تاركين، ومن غفلتنا متيقظين، فما تدري نفس ماذا تكسب غداً، وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير.

  أيها الناس، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، ومحاسبة العبد لنفسه هو أن يتوب إلى الله من كل معصية، وأن يتدارك ما قد فرط فيه من فرائض الله، وأن يرد المظالم حبةً بعد أخرى، وأن يستحل من كل مؤمن تعرض له بلسانه ويده وسوء ظنه بقلبه.