[في آخر خطبة للنبي ÷ خطبها في المدينة]
  ويبلونا أينا أحسن عملاً، {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ٣١}[النجم]، وبين لنا الحرام والحلال، وهدانا النجدين، وأوضح لنا السبيلين.
  وهذا رسول البشرية ومنقذها الحكيم يعظنا ويبين لنا ما أعدّ الله للمطيعين من الثواب، وما توعد به المخالفين والعاصين من أليم العقاب، فقد روى ابن عباس وأبو هريرة قالا: خطبنا رسول الله ÷ قبل وفاته وهي آخر خطبة خطبها في المدينة حتى لحق بالله ø، فوعظ بمواعظ ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، واقشعرت منها الجلود، وتقلقلت منها الأحشاء.
  أقول: وهي حقاً كما وصفاها كيف لا وأقواله القيمة أعظم رصيد ورثته الإنسانية من مصادر الفكر والإلهام، بحيث لو تمزقت دونه الستائر لشع حتى لم يبق على الأرض قطعة من ظلام، فرسالة السماء تنطلق على لسانه، وصوته يكرس كل ما في السماء من خير ونور.
  فقد كانت تنفجر الآداب والأحكام من نفسه الجياشة ومن قلبه الحنون؛ ليقود أمته إلى الخير الدائم والنعيم المقيم، وينكبها عن هوة المهالك والمزالق الوعرة، ويوقظها من سِنَةِ الغفلة، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ٤٢}[الأنفال].
  أيها المؤمنون، لقد اقتطفت من تلكم الخطبة الجليلة ما يناسب المقام وإلا فهي خطبة طويلة - بعضها لئلا أطيل عليكم.
  فمما قال ÷ فيها: «من تولى خصومة ظالم أو أعانه عليها نزل به ملك الموت بالبشرى بلعنة الله ونار جهنم وبئس المصير، ومن ظلم أجيراً أجره أحبط الله عمله وحرم عليه ريح الجنة، وريحها يوجد من مسيرة خمسمائة عام، ومن خان جاره شبراً من الأرض طوقه الله يوم القيامة إلى سبع أرضين، ومن تعلم القرآن فلم يعمل به وآثر عليه حب الدنيا وزينتها استوجب سخط الله وكان في الدرجة مع اليهود والنصارى الذين ينبذون كتاب الله وراء ظهورهم، ومن رجع