درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

[في بر الوالدين]

صفحة 55 - الجزء 1

  فلما بلغتُ السنَّ والغايةَ التي ... إليها مدى ما كنتُ فيك أؤمل

  جعلتَ جزائي غلظةً وفضاضةً ... كأنك أنتَ المنعمُ المتفضل⁣(⁣١)

  وأضاف الرجل قائلاً: يا رسول الله، إن ابني كان ضعيفاً وأنا قوي، وكان فقيراً وأنا غني، فكنت لا أمنعه عن شيء من مالي، واليوم أصبحت ضعيفاً وهو قوي، وصرت فقيراً وهو غني، فيبخل علي بماله.

  قال: فبكى رسول الله ÷ وقال: «ما من حجر ولا مدر يسمع هذا إلا بكى» ثم التفت إلى الولد وأخذه بتلابيبه وقال له: «أنت ومالك لأبيك»⁣(⁣٢).

  فالنصوص القرآنية والنبوية تؤكد أن الله لا يرضى عن الأبناء ولن يقبل من أعمالهم وعباداتهم شيئاً حتى يرتفعوا بأنفسهم عن مهاوي الجحود والقسوة، وعن الخلاف لآبائهم وأمهاتهم، فرضا الله في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما.

  وفي سيرة رسول الله ÷ وسيرة أهل بيته الأطهار أئمة الهدى عشرات الشواهد على أن البر بالأبوين والإحسان إليهما من أجلِّ الطاعات وأفضل العبادات، وأن عقوقهما من الكبائر التي لا يغفرها الله ولا يتساهل بها إلا لمن تاب وأناب وأقام حقوقهما واسترضاهما، وذلك تقديراً لجهودهما المضنية في سبيل الأبناء ووفاء لبعض ما قدما للبنين.


(١) والأبيات هي:

غَذوَتُكَ مولوداً وَعُلتُكَ يافِعاً ... تُعَلُّ بِما أُحني عَلَيكَ وَتَنهلُ

إذا ليلة نابتك بالسقم لم أبت ... لسقمك إلا ساهراً أتململ

كأني أنا المطروق دونك بالذي ... طُرقت به دوني فعيناي تهمل

تخاف الردى نفسي عليك وإنها ... لتعلم أن الموت حتماً مؤجل

فلما بلغت السن والغاية التي ... إليها مدى ما كنت فيك أُؤمل

جعلت جزائي غلظة وفضاضة ... كأنك أنت المنعم المتفضل

فليتك إذ لم ترع حق أبوتي ... فعلت كما الجار المجاور يفعل

فأوليتني حق الجوار ولم تكن ... عليَّ بمال دون مالك تبخل

(٢) ذكره الإمام الهادي # باللفظ في كتاب الأحكام.