[خطبة في التعريف بالحق]
  وإن الداعي إلى الباطل هو الشيطان وأعوانه وزبانيته فهو كما قال الله {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ٦}[فاطر].
  أيها المؤمنون، إن الله جل وعلا أودع الفطرة البشرية حب الحق وطلبه والتوجه إليه، ثم بين للناس الوسيلة المضمونة لمعرفة الحق والاهتداء إليه، ألا وهو القرآن العظيم الذي ميزه الله بالوضوح والشمول والخلود.
  واعلموا أن الحقيقة الناصعة التي تشهد بها الفطرة ويشهد بها العقل ويشهد بها القرآن الكريم - هي أن الله هو الحق، وهذا ما أعلن عنه كتاب الله في عدد من سوره، قال الله جل وعلا: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ}[يونس: ٣٢]، وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٦}[الحج]، وقال ø: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ٦٢}[الحج]، ويقول: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ٥٤}[الحج].
  أما المؤمنون فيهتدون بهدي الله تعالى للعمل بالحق والاهتداء إليه يقول تعالى: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ٢١٣}[البقرة].
  ومن ضل عن هذه الحقيقة اليوم فسيعرفها غداً عند كشف الغطاء، فيرى المعرض عن الحق ويشاهد الحقائق جلية مجردة عن الأقنعة الزائفة {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ٢٥}[النور]، {وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ٧٥}[القصص].
  ثم إن الأمر يكتسب صفة الحق بقدر اتصاله بالله الذي هو الحق، وبقدر انتسابه إليه، كما أن الأمر يكتسب صفة الباطل بقدر بعده عن الله وانقطاعه عنه.