[خطبة في التعريف بالحق]
  فإذا عرفنا أن الله هو الحق، فقوله حق وفعله حق، ولهذا رد الله على من يقول: إن خلق الله لمخلوقاته ليس لحكمة وأن ليس وراء هذه الحياة غاية، فقال عز من قائل: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ١١٥ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ}[المؤمنون]، {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ٣٨ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ٣٩}[الدخان].
  فما شرعه الله في كتابه وعلى ألسنة رسله فهو حق، وكل ما أخبر الله به في كتابه وعلى لسان رسوله ÷ عن عوالم الغيب ونهاية الحياة وحقائق الآخرة فهو حق يجب الإيمان به، فوعد الله حق، والموت حق، والبعث حق، والحساب حق، والجنة حق، والنار حق، يقول الله في قرآنه: {وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ٩٨}[الكهف]، ويقول: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ١٩}[ق]، {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ٥٣}[يونس]، ويقول تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ١٧ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ}[الشورى]، {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا}[الأحقاف: ٣٤]، ويقول: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ٢٨ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ٢٩}[الجاثية].
  فكل ما شرعه الله لعباده من أحكام تنظم علاقتهم بالله، أو علاقتهم بالكون والحياة، أو علاقتهم ببعضهم البعض أفراداً وأسراً وجماعات، فهو حق يجب الاحتكام إليه والإذعان له والتسليم بعدالته.
  فالحق كما ترون في غاية من الوضوح، ولكن يا ترى ما بال الناس يختلفون في تحديد الحق؟ بل ما بال أكثر الناس عن الحق معرضون؟ وقد منحهم الله العقول التي تدلهم على الحق وأرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب التي تهدي إلى الحق، سيما القرآن العظيم الذي شهد على دلالته وهدايته إلى الحق كل ذي فطرة