درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

[في التقوى]

صفحة 79 - الجزء 1

  وقد أمر الله عباده بالتقوى في عشرات الآيات من القرآن العظيم فيقول: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ ١٩٧}⁣[البقرة]، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ١٠٢}⁣[آل عمران]، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ٧٠ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ٧١}⁣[الأحزاب].

  أيها المؤمنون، احذروا هذه الدنيا فبغرورها ضل من ضل، وبمكرها زل من الخليقة من زل، فحبها رأس الخطايا والسيئات، وبغضها واحتقارها أم الطاعات وأسس القربات، فلا تركنوا إليها ولا تعتمدوا عليها، أما رأيتم من كان من ذوي الأخطار وأرباب الأقدار كيف ذهبت أيامهم وبقيت آثامهم، فحسراتهم تتجدد وأسفهم لا ينفد، ولن يغني الأسف وقد أسلمتهم أعمالهم إلى موضع الانتقام ودار المصائب والآلام، قد خدد الدموع خدودهم، ومزقت النار جلودهم، لا يرجون انتهاء ما هم فيه فيهون، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون!.

  فيا أيها المغرورون عن النظر في هذه الأمور، كيف بكم إذا وافاكم الموت في غير استعداد للقاء الملك العلام؟ فنُزِعْتُم من الدنيا بِكُرْهٍ وأخرجتم منها برُغْم، لا يصحبكم منها إلا ما قدمتم، ولا يغني أحدَكم إلا العملُ الصالح، فرُبّ ذي ملك أثقب نظره واستعمل فكره، فرفض مملكته الطويلة العريضة، وترك رياضه الجميلة الأريضة، وتفرغ لخدمة مولاه وأعرض عن دنياه، فكان في الدنيا كمن لم يكن منها، عمل فيها بما يبصر، وبادر فيها ما يحذر، يقلب بدنه بين ظهراني أهل الآخرة، يرى الناس يعظمون موت أجسادهم وهو أشد إعظاماً لموت قلبه.

  فيا عباد الله اتقوا الله حق تقاته، وحاسبوا أنفسكم قبل فوات الأوان، فمن حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر، ومن خاف أمن، ومن اعتبر أبصر.

  يا ابن آدم، ما لك ترجو الآخرة بغير عمل؟! وتسوف التوبة بطول الأمل؟! تقول في الدنيا بقول الزاهدين، وتعمل فيها بعمل الراغبين، إن أعطيت منها لم تشبع، وإن منعت منها لم تقنع، تعجز عن شكر ما أوتيت، وتبتغي الزيادة فيما بقي.