درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

خطبة في محاسن الأخلاق نفع الله بها

صفحة 93 - الجزء 1

  وجل يقول: إنما أقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وقطع نهاره في ذكري، ولم يَبِت مُصِراً على خطيئة، ولم يتعاظم على خلقي»⁣(⁣١). كذلك الزكاة المفروضة ليست ضريبة تؤخذ من الغني إلى الفقير فقط، بل هي غرس للرحمة في قلوب الناس، رحمة من الأغنياء بالفقراء لضعف حالهم، ومحبة من الفقراء للأغنياء لأداء حقوقهم وعطفهم ومحبتهم لهم، وتوطين لنفوس الأغنياء للتآخي والإحساس بالفقراء حتى لا يضيعوا بينهم، ولتطهير المزكين وتزكية نفوسهم ونمو أموالهم.

  وقد نص القرآن على معنى الزكاة في قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}⁣[التوبة: ١٠٣]، وقال في آية أخرى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِتُرْبُوا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ٣٩}⁣[الروم].

  وتطهير النفس من أدران النقص، ورفع المجتمع إلى أعلى المستويات هو الحكمة الأولى من فرض الزكاة، ومن أجل ذلك جعلت الصدقة باباً واسعاً يرِده الضعيف والقوي والغني والفقير، وقد قال رسول الله ÷ فيما يروى عنه: «تبسمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وإماطتك الأذى والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة»⁣(⁣٢).

  وكذلك شرع الإسلام الصوم فلم ينظر إليه على أنه حرمان بعض الوقت للنفس عن الأطعمة والأشربة فقط، بل جعله حرماناً للنفس طول حياتها عن الشهوات المحرمة، ومن شواهد ذلك قول رسول الله ÷: «من لم يدع


(١) رواه شيخ الإسلام محمد بن منصور المرادي في كتاب الذكر.

(٢) ذكره الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى في حياة القلوب.