دعوته صلى الله عليه وآله:
  على الخلق، يهتدى بهم عن طرق الشك والارتياب، وبعد ..
  فإني لما اطلعت على تاريخ الآباء الكرام، وسيرهم المنبئة على السمو والانتظام، وعلى علو همتهم في نشر العلوم، وملازمة رضاء اللّه الحي القيوم، علمت أن ذلك المنهج والوصف مما يحمل المرء على الاقتداء بهم، والاهتداء بهديهم، والتشبه ببعض أفعالهم وسيرهم، وإلى الرغوب إلى معالي هممهم، ونيل بعض علمهم، فسنح لي من ذلك أن أحرر تاريخ آبائي على ما سمعت وروي لي من سيرهم المبرورة، وعلو هممهم المشهورة، في نشر العلوم والسير المرضية القائمة الرسوم.
  أما تاريخ والدنا الإمام المهدي ¥ فأشهر من نار على علم، أقر له الموالف والمخالف بالقدم الراسخة بالعلم والاجتهاد، ولم يبلغ درجته واجتهاده أحد من علماء زمانه، أروي عن الوالد العلامة المشهور أحمد بن يحيى العجري أنه كان الإمام يملي شرح الأزهار غيباً قلباً وحاشية، وأنه ممن أملاه عليه وقرأه لديه، وعن القاضي العلامة محمد بن عبد اللّه الغالبي، وغيرهم ممن لازمه من العلماء المبرزين وجالسه: أنه عند الاختبار له في القيام بالخلافة أفحم كل عالم حبر، وأنه ما سئل عن شيء من العلوم حتى التي هي من مسائل المعاياة والمسائل الغامضة المشكلة على العلماء من كل فن إلا أجاب فيها، وأنهم ما شبهوا علمه إلا بالإمام الهادي # وبركته، وقد كانت هجرته من مدينة صنعاء لما اعتورتها الأتراك والدول الذين ليسوا على الحق ولا من أهل البيت، وقد كان حبس الإمام المهدي مع جملة من العلماء والفضلاء لئلا يدعو بعد الإمام المتوكل المحْسِن بن أحمد منهم أحد وعزموا بهم إلى الحديدة، وبعد سنتين فرج اللّه عنهم بالإطلاق، فهاجر إلى برط ووردت إليه المكاتبة والمراسلة من العلماء بالقيام بالخلافة فأبى، ولم يتركوا له عذراً وألزموه الحجة، فسار بسيرة الأئمة الأبرار، ونشرت دعوته في جميع الأقطار، وأجابه العلماء والرؤساء والأخيار،