الموعظة الحسنة،

محمد بن القاسم الحسيني (المتوفى: 1319 هـ)

[الحكمة من الخلق]

صفحة 105 - الجزء 1

خاتمة

[الحكمة من الخلق]

  اعلم أن الحكمة من اللّه تعالى بخلق هذه الدار، دار الهموم والأخطار، والتقلب والانتقال، والفنا والزوال - هي البلوى والاختبار؛ ليقع من المكلفين النظر والاعتبار، والتفكر والادكار، والعلم والعمل والاصطبار، والعبادة الخالصة الموصلة إلى السعادة الأبدية في دار القرار، ومساكن الأبرار، كما تكرر ذلك في آي القرآن العظيم، وعلى لسان النبي الكريم، قال اللّه عز من قائلٍ حكيم: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦}⁣[الذاريات]، وقال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ٧ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا ٨}⁣[الكهف].

  وقد ذم اللّه تعالى الدنيا وحذر عنها، وعن الميل إلى بهجتها والاغترار بزخرفها، ونَّوه بِمقتها، وكشف عن حقيقتها، وأن الحكمة بخلقها التوصل إلى النعيم الدائم من غيرها، وسمَّاها متاع الغرور واللّهو واللعب، وضرب فيها الأمثال على تعدد أنواعها، كما قال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ٢٠}⁣[الحديد].

  وقال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ٤٥}⁣[الكهف]، قال صاحب الكشاف ¥: شبَّه حال الدنيا في نضرتها وبهجتِها، وما يتبعها من الهلاك والفناء - بحال النبات يكون أخضرَ وارقاً، ثم يهيج مصفراً فتطيره الرياح كأن لم يكن.