الموعظة الحسنة،

محمد بن القاسم الحسيني (المتوفى: 1319 هـ)

[صفات الإمام]

صفحة 39 - الجزء 1

  إذا تقرر هذا؛ فنقول: إن أكثر الناس قد تعاموا عن هذا الواجب العظيم، والتكليف الجليل الفخيم، وتساهلوا به، وتغاضوا عنه، وفرطوا فيه، كما قال تعالى: {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ٧٠}⁣[المؤمنون]، {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ١٠٣}⁣[يوسف]، {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ٤٠}⁣[هود]، إنّا لله وإنا إليه راجعون، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

  فلو كان مسألة من المسائل الفرعية، أو حكمٌ من الأحكام الشرعية ورَد فيه ما ورَد في حق الإمام، واشتهر ونقل عند علماء الإسلام، لتسارعت الأمة إلى تاركه بأنواع المذام، وحكموا بضلاله وهلاكه بالألسن والأقلام، فما ظنك بهذا الواجب القطعي، والحكم الأصلي، الذي تدور رحى الإسلام عليه، وتسند المصالح الدينية إليه، وتسد به الثغور، وتدفع به الشرور، وتنتظم به أحوال الجمهور، وتقوم به فريضة الجهاد، الذي هو سنام الدين، وسنة الأنبياء والخلفاء الراشدين، ويتم به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فينتصر المظلوم، ويتصل المحروم، وتقام الحدود، ويردع الظالم العنود، وتنفذ الشرائع والأحكام، ويميز الحلال من الحرام، ويعبد اللّه في كل مقام، وتأمن السبلات، وتؤتى الواجبات، وتجتنب المقبحات، وتنزل البركات.

  وعلى الجملة فما من فريضة من الفرائض، ولا مصلحة من المصالح إلا وهي معولة عليه، ومستمدة منه، واللّه أعلم بمصالح عباده.

[صفات الإمام]

  واعلم أن الخليفة لمّا كان قائماً مقام من استخلفه، اشترط أن تكون فيه صفاته حتى يقوم بما استخلفه فيه، ولهذا اشترط في الإمام أن يكون بصفات النبي ÷ من: المنصب الشريف، والتقوى، والورع، والشجاعة، والسخاء، وحسن التدبير، والعلم النافع، بحيث يتمكن من فصل الواردات وحل المشكلات، وأن يشهر نفسَه، ويدعو إلى سبيل ربه، ويباين الظالمين، ويقرب أهل الدين،