[بيان الله تعالى للفرقة الناجية]
  أحدُهما - وهو الأكبر -: كتاب اللّه تعالى، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، طرفه بيد اللّه تعالى وطرفه بأيدينا، كما جاء في بعض ألفاظ هذا الحديث، وهو المعجزة لنبينا ÷، الباقية إلى انقطاع التكليف، المحفوظ عن الزيادة والنقصان والتحريف، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، وكما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ٩}[الحجر]، وقال تعالى: {الم ١ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ٢}[البقرة].
  والثِّقل الآخر - وهو الأصغر -: عترةُ رسول اللّه ÷ وأهل بيته، قد جعلهم اللّه تعالى تراجمة الكتاب، وخلفاء رسول اللّه، وبدلاً عنه في حمل الشريعة إلى أمته، وحراستها عن التغيير من سنته، وأقامهم مقامه فيما تحتاج إليه في أمر دينها إلى يوم القيامة، وفي الذب عنها باللسان والسنان، والدعاء إلى دين الملك الديان، فهم سفن النجاة، وباب حطة، وباب السّلم، وأمان أهل الأرض، رَزقهم اللّه تعالى عِلم جدِّهم - رسول اللّه ÷ - وفَهْمَه، وخلقهم من لحمِهِ ودمِهِ، وأذهب عنهم الرجس وطهرّهم تطهيراً، ونوّه بفضلهم وتقديمهم، وأوجب على عباده جميعاً مودتهم واتباعهم، وتقديمهم، ونصرتهم، والتعلم منهم، والكون في حزبهم، والاهتداء بهديهم، فإليهم في الفروع الانتماء، وبهم في الأصول الاقتداء، وأعدّ لمن ناواهم أنواع العقوبات، وأصناف الجوائح المؤلمات، كما جاء ذلك كله في الآيات البينات والأحاديث المتكاثرات، منها ما نُقل وبلغ حد التواتر، ومنها ما هو متلقىً بالقبول كما هو ظاهرٌ، ومنها ما اشتهر في الدواوين الكبار بطرق أَئمتنا $ وغيرهم من علماء الأمصار، ومنها ما روي بالآحاد مسلسلة الإسناد بالأسانيد الجياد، ولابد أن نشير إلى طرفٍ يسيرٍ في هذه الأوراق لِقَصْدِ التنبيه والإدّكار، إذ حَصْر فضائلهم وخصائصهم تستغرق الأسفار، ويستوعب المجلدات الكبار، ومن أحب الاطلاع على ذلك فليراجع مؤلفاتهم، ومؤلفات شيعتهم، ومؤلفات سائر علماء الإسلام في فضائلهم، يجد شفاء الأوام وغاية المرام، فمنها هذا حديث الثقلين.