[الفصل الأول: في توحيد الله تعالى]
  ودليل ثالث: وهو قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ١٦٤}[البقرة]، وقوله تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ٢١}[الذاريات]، وغيرها من الآيات المثيرة لدفائن العقول.
  فإن قيل: كيف تصح الدلالة على إثبات الصانع الحكيم بآيات القرآن الكريم، ومعرفة صحته مترتبة على معرفته؟
  قلنا: يصح من وجهين:
  أحدهما: أن تلك الآيات مثيرة لدفائن العقول، ومعنى ذلك أنها منبهة للعقول على كيفية الاستدلال عليه تعالى لمّا كان من غريزتها وفطرتها الإقرار باللّه تعالى، ومعرفة الطريق الموصلة إليه كشفَ لها - إذا تدنست أو تكدرت - عن تلك الطريق.
  وثانيهما: لما تواتر لنا القرآن وعلمنا إعجازَه وخرقه للعادة - إذ قد تحدّى به العرب فلم يأتوا بسورةٍ من مثله، بل اختاروا على معارضته الحتوف، ومعانقة السيوف - أوجب ذلك الحكم بصدقه وصدق ما جاء به، وصار كسائر المحدَثات التي لا يقدر عليها البشر، فحينئذ يصح الاستدلال به على إثبات الصانع، وتوحيده وعدله، ووعده ووعيده، وجميع ما أنزل اللّه تعالى فيه بأوضح الدلالات، وقد قال تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ٥٢}[إبراهيم].
  المسألة الثانية: أن اللّه تعالى قادر.
  والدليل على ذلك: أنه قد صح منه الفعل، والفعل لا يصح إلا من قادر ضرورة، وقد قال تعالى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٦}[الحشر].