الموعظة الحسنة،

محمد بن القاسم الحسيني (المتوفى: 1319 هـ)

[الفصل الأول: في توحيد الله تعالى]

صفحة 63 - الجزء 1

  وأما الوقوف على حقيقة كنه ذاته تعالى فمستحيل كما قال تعالى: {ولا يُحيطون به علماً}⁣(⁣١)، وكما قال الوصي ~: (بايَنَهُم بصفته رباً كما باينوه بحدوثهم خلقاً)، وقوله #: (من فكر في المخلوقات وحّد ومن فكر في الخالق ألحد) أو كما قال.

  المسألة الثامنة: أن اللّه تعالى غني لا تجوز عليه الحاجة، لأن الحاجة من صفات الأجسام، واللّه تعالى ليس بجسم ولا يشبه الجسم، وقد قال تعالى: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ}⁣[محمد: ٣٨].

  المسألة التاسعة: أن اللّه تعالى لا يُرى بالأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة.

  والدليل على ذلك: أنا وجدنا المرئيات أجساماً وأعراضاً لا غير وكلها مُحدَثة، واللّه تعالى ليس بجسم ولا عَرَض ولا مُحدَث، فوجب أن لا يُرى.

  وقد قال تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ١٠٣}⁣[الأنعام]، وقد قال تعالى: {لَنْ تَرَانِي}⁣[الأعراف: ١٤٣]، فنفى الرؤية على جهة الاستغراق، وهذه المسألة في الحقيقة فرع على السابعة كما لمحنا إلى ذلك.

  المسألة العاشرة: أن اللّه تعالى واحد لا إله غيره، أي لا مشارك له في الإلهية.

  والدليل على ذلك: أنه لو كان لله تعالى ثانٍ لأظهر صنعته وقدرته، ودل على نفسه، وأتتنا رسله، ولكان يلزم الفساد في السماوات والأرض وما بينهما؛ لاختلاف مراديهما إذا أراد أحدهما فعلاً والآخر ضده، ونحو ذلك، فلما انتفى ذلك كله عَلِمنا أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له.

  وقد قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ١ اللَّهُ الصَّمَدُ ٢ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ٣ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ٤}⁣[الإخلاص]، وقال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}⁣[الأنبياء: ٢٢]، لِتناقض مراداتهم و {لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ}⁣[المؤمنون: ٩١]،


(١) طه: ١١٠.