[تقديم]
  فمن هنا لم نتوقع منهم حلَّ تلك الأسئلة ولا الإجابة عليها، ولكن العاقل المغرور عند ورود مثل تلك الأسئلة سيتوقف عند حده، ويعرف قدر نفسه فلا يتهجم على المسلمين بالتكفير والتضليل والتبديع من أجل آية تَعَرَّفَ عليها لا يدري أمن المحكم هي أم من المتشابه؟ من النص أم من الظاهر؟ من الحقيقة أم من المجاز؟ ... إلخ؟
  هذا، وإن كانوا يسمون أنفسهم طلبة علم الحديث، فإنهم عن فقهه بمعزل؛ إذ لا معرفة لهم بقواعد الاستدلال وأصول الفقه، فلا يميزون الأصول من الفروع، فتراهم يستدلون على تثبيت العقائد بأحاديث الآحاد.
  فصحة سند الحديث عندهم هو الغاية المطلوبة، فإذا صح ذلك عملوا به من دون نظر إلى ما يعارضه، وضلَّلوا من خالفه ولو كان مجتهداً، وما دروا أنه قد أطبق السلف والخلف على أن كل مجتهد مصيب، فتراهم يتشددون في الصلاة بالنعال، ويضللون من لم يوافقهم على ذلك، فلم يفرقوا بين مسائل الخلاف؛ إذ معرفتهم محصورة في معرفة سند الحديث، أمَّا فهمهم لنص الأحاديث وفقهها فدونه خرط القتاد.
  وما مَثَلُهم في علمهم الذي يدَّعُونه لأنفسهم إلا كمثل الأمي الذي يريد تعلم القراءة والكتابة، فقال له الأستاذ: نعم، ولكن لا بد من أدوات لذلك فاذهب واشترِ قلماً من نوع كذا من عند فلان، ولا تشتر من النوع الفلاني، واشترِ كتاب كذا وكذا، واحذر كتاب كذا وكذا، ودفاتر من نوع كذا، ثم ارجعْ إليَّ، ثم أوصاه بالمحافظة على هذه المشتريات فإنه بذلك لا يكون عالماً بالقراءة والكتابة.
  كذلك الوهابيون توهموا أن العلم كل العلم في طلب معرفة مصطلح الحديث فإذا صح عندهم السند فهو المطلوب، وما دروا أن الحديث وإن صح سنده قد يعارض ما هو أقوى منه فيحرم على المجتهد العمل به، أو قد يعارض القرآن فيحرم أيضاً العمل به.