الباب الثاني: في المسند إليه
  ومنها: رد السامع عن الخطأ في الحكم إلى الصواب، نحو: «جاءني زيد لا عمرو» لمن اعتقد أن عَمرًا جاءك دون زيد، أو أنهما جاءاك جميعًا، فيكون على الأول: قصر قلبٍ، وعلى الثاني: قصر إفرادٍ(١). ومراده بـ (الحق): الصواب.
  ومنها: صرف الحكم عن محكوم عليه إلى محكوم عليه آخر، نحو: «جاء زيد بل عمرو(٢)»، و «ما جاء زيد بل عمرو»، فإن «بل» للإضراب عن المتبوع وصرف الحكم إلى التابع، ومعنى الإضراب عن المتبوع: أن يجعل في حكم المسكوت عنه، لا أن ينفى عنه الحكم قطعًا.
  ومنها: الشك من المتكلم في المسند إليه، نحو: «جاء زيد أو عمرو» إذا علم بمجيء أحدهما لا بعينه.
  ومنها: التشكيك، أي: إيقاع المتكلم السامعَ في الشك، بأن يكون المتكلم عالمًا، لكنه يريد تشكيك المخاطب، كالمثال المتقدم.
  ومنها: الإبهام(٣)، وهو أن يكون المتكلم عالمًا بالنسبة، ولكنه أبهم على المخاطب لنكتة، نحو {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}[سبأ ٢٤]، والنكتة في الآية: أنْ لا يزيد إنكار المخاطبين ولجاجهم(٤).
(١) قصر القلب: هو تخصيص أمرٍ بأمرٍ مكان آخر، ويخاطب به من يعتقد العكس كقولك: «جاءني زيد لا عمرو» مخاطِبًا مَن يعتقد أن عمرًا هو الذي جاءك، فأنت تقلب وتعكس ما يعتقده؛ ولذا سمي قصر القلب. وقصر الإفراد: هو تخصيص أمرٍ بأمرٍ دون آخر، ويخاطَب به من يعتقد الشركة، كقولك: «محمد العالم لا خالد» لمن اعتقد أنهما يشتركان في صفة العلم.
(٢) قوله: «نحو: جاء ... إلخ» إنما اقتصر على الإثبات وترك النفي مع تمثيل الأصل به أيضا لعدم ظهور صرف الحكم على مذهب الجمهور؛ لأن «بل» بعد النفي تنقل ضد حكم ما قبلها لما بعدها، وإنما تكون لصرف الحكم على مذهب المبرد القائل بأنها تنقل النفي لما بعدها.
(٣) الفرق بين التشكيك والإبهام: أن المقصود في التشكيك: هو إيقاع المخاطب في الشك وإيقاع الشبهة في قلبه، والمقصود في الإبهام: الإخفاء عنه وترك التعيين. فإن قيل: يلزم من الإبهام إيقاع الشك في قلب المخاطب؟ قلنا: التشكيك حصل بقصد والإبهام حصل بدون قصد.
(٤) أي: خصومتهم.