حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

[فصاحة الكلام]

صفحة 45 - الجزء 1

[فصاحة الكلام]

  قال:

  وفي الكلامِ: مِن تَنَافُرِ الكَلِمْ ... وضَعفِ تأليفٍ وتعقيدٍ سَلِمْ

  أقول: المراد بالكلام: المركب، مجازًا، من باب إطلاق اسم الخاص على العام، ومقابلته بالمفرد قرينة لذلك. فيشمل المركب الناقص كَـ: «إن قام زيد»، والتامَّ كَـ: «زيد قائم»، فالتعميم في جانب الكلام، أي: الكلام: ما ليس بمفرد. وقيل: إن المركب الناقص داخل في المفرد، والتعميم فيه، أي: المفرد: ما ليس بكلام، أي: مركب تام، وهو مختار السعد⁣(⁣١) في شرح الأصل، والمرجح: الأول.

  قوله: (من تنافر ..) الخ أي: خلوصه من هذه الأمور الثلاثة. وتَرَكَ رابعًا ذكره أصله، هو فصاحة كلماته؛ احترازًا من نحو: «زيد أجلل» فليس بفصيح. فالتنافر: أن تكون الكلمات ثقيلة على اللسان وإن كان كل منها فصيحا. والثقل يكون متناهيًا كما في قوله [السريع]:

  وليس قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ⁣(⁣٢)

  وغيرَ متناهٍ، كما في قوله [الطويل]:

  كريمٌ متى أَمْدَحْهُ أَمْدَحْهُ وَالوَرَى ... معي وإذا ما لُمتُهُ لُمتُهُ وحْدِي⁣(⁣٣)

  ومنشأ الثقل في الأول نفس اجتماع الكلمات، وفي الثاني حروف منها، وهو في تكرار «أمدحه»، دون مجرد الجمع بين الحاء والهاء؛ لوقوعه في التنزيل نحو:


(١) أي: سعد الدين التفتازاني في شرح تلخيص مفتاح العلوم الموسوم بالمطول.

(٢) البيت لمجهول، ويدَّعي بعض النسابين أنه لجِنِّيٍّ رثى به حرب بن أمية جد معاوية بعد أن هَتف عليه فمات. وقفر: خالٍ من الماء والكلأ. وقبر: اسم «ليس» مؤخر، وقرب: خبرها مقدم.

(*) قيل بأن هذا البيت لا يمكن إنشاده ثلاث مرات متوالية إلا ويغلط المنشد له؛ لأن اجتماع كلماته وقرب مخارج حروفها أحدثا ثقلًا ظاهرًا، مع أن كل كلمة وحدها ليست ثقيلة. وصدر البيت:

وقبرُ حربٍ بمكانٍ قفرُ

ذكر هذا البيت الجاحظ في كتابه البيان والتبيين (١/ ٦٥).

(٣) ديوان أبي تمام: ٢/ ١١٦ من قصيدة في مدح أبي المغيث الرافقي.