فصل في الكلام في الألوان والطعوم والروائح
  وأيضا فلم ينتقل من موضعه الذي يتكلم فيه(١) إلى أذن السّامع.
  وإن قالوا: الدّاخل هو جزء منه. قلنا: هذا باطل من القول أن يكون الإنسان بعضه مستقرّا وبعضه منتقلا(٢)، فبطل(٣) دخول الجسم من هذا المعنى، وصح أنّ اللّه تعالى ما جعل خرق الأذنين إلا طريقا للأصوات دون المصوّتين.
  فإن قالوا: فإذا قلتم: العرض مسموع فكيف يدخل العرض في أذن السّامع، والعرض لا يقوم بنفسه؟ قلنا: إنا قد بيّنا الكلام فيما تقدم أنّ الهواء هو الذي يحمل الأصوات، وقد فطره اللّه على حمل الأصوات، والدخول بها في الآذان السّامعات، وهو شبحها بعد انقطاع كلام المتكلم، والمتكلّم شبحها في حال كلامه.
  ومما يدل على أن الهواء هو الذي يحمل الأصوات: أن المصوّت إذا كان منتزحا من المستمع، لم يسمع المستمع الصوت عند نطق المصوّت به، بل يلبث على قدر بعده، وذلك مشاهد فيمن يضرب بزبرة في حجر أجوف أن المستمع له من مكان بعيد يراه عندما يهوّي بالزّبرة إلى الحجر، ولا يسمع صوت الزبرة هويّة للضرب، بل يسمعه بعد، فلما كان الصوت يلبث شيئا، علمنا أن الهواء هو الذي لبث به، وقطع به المسافة(٤)، ومما يؤيد ذلك أنّ الرياح تردّه إذا قابلته.
(١) في (ب): الذي تكلم منه.
(٢) في (ش، ل): وبعضه متنقلا.
(٣) في (ص): فيبطل. وفي (ش): وبطل.
(٤) في (ض): فقطع به المسافة.