حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في الألوان والطعوم والروائح

صفحة 117 - الجزء 1

  ومما يبيّن لك أنّ الهواء هو الذي يحمل الأصوات أن المنادي قد ينادي في عسكر كثير يكون فيه ألوف من النّاس، فيسمع كلّهم صوته، فلم يكن المصوّت ينقسم بين ألوف من الآذان فصح أن الهواء هو الذي يحمل الصوت⁣(⁣١).

  ودليل آخر: أنه لا يعلم الكلام من غير طريق السمع، ألا ترى أن الأصمّ، ومن يسدّ أذنيه لو رأى إنسانا يحرّك لسانه وشفتيه بغير كلام أنه لا يفرق بينه وبين من يتكلم، فبطل قولهم: أن المتكلم يسمع ويعلم الكلام. وقد قدمنا الاحتجاج عليهم من كتاب اللّه⁣(⁣٢) في هذا، ومن سنّة رسول اللّه ÷، ومن أقوال الأئمة الهادين $.

  فأما قولهم: إن العرض شيء لا يوهم⁣(⁣٣) ولا يحلّ ولا يحلّ، وهو يعلم ولا يحسّ؛ ولأنهم يقولون في العرض: كونه فناؤه، فإنهم لو نفوا العرض ولم يثبتوه⁣(⁣٤) شيئا معلوما لكان أصلح لهم وأوفق لهم من أن يصفوه بصفات اللّه تعالى؛ لأن اللّه شيء يعلم ولا يحلّ⁣(⁣٥) ولا يحلّ ولا يحسّ ولا يوهم، وقد غلطوا في هذا غلطا كبيرا؛ ولأنه إذا لم يكن حالّا في الجسم فليس هو في الهواء، ولا في الأرض، ولا في السماء، وإذا لم يكن في الهواء، ولا في الأرض، ولا في السماء


(١) في (ب، ت): الأصوات.

(٢) في (ش، م، س): الاحتجاج من كتاب اللّه عليهم.

(٣) في (ه): إن العرض لا يتوهم.

(٤) في (ش): ولم يثبتوا.

(٥) في (ش، ع): لا يحل.