فصل في الكلام في الألوان والطعوم والروائح
  إلى مقاييس عقولهم استصغارا لكلام أئمتهم، واستكبارا لأنفسهم(١)، وإني لأحدّث أحدهم بالحديث من العلم، فلا يخرج من عندي حتى [يكون] قد تأوّله وفسّره على محبوب نفسه، وقاسه بتمييزه وفكره، ويزعم أن لذلك باطنا غير ظاهره، وأن الباطل هو الذي كلّف معرفته، حتّى كأنّ اللّه ø قد وكل جميع الخلق إلى نظره وتمييزه).
  فمن أصولهم التي أصّلوها أنهم قالوا: إن العرض شيء موجود، وقالوا: ليس بحالّ في الأجسام، ولا هو يوهم ولا يحسّ. وقالوا:
  إنهم يسمعون المتكلّم سماع حسّ، ويسمعون الكلام سماع علم.
  وقالوا: ليس يسمع القرآن، وإنما يسمع القارئ، وهذه الجملة لا خلاف عندهم فيها. وإنما اختلفوا في نزول القرآن، فقال بعضهم:
  ليس هذا الذي مع الناس القرآن، وإنما هو دليل عليه.
  وقال بعضهم: هو القرآن، لكنّه لا يسمع(٢)، وإنما يسمع القارئ، ويعلم القرآن.
  وقالوا جميعا - إلا الأقلّ منهم: القرآن في قلب الملك الأعلى حالة له، صفة ضروريّة لا يفارقه. والعرض الضروريّ عندهم هو الذي لا يفارق شبحه.
  ثم نقضوا هذه الأصول فقالوا: العالم هو الهواء، وما حوى من الأرض والسماء وما بينهما من جميع الأشياء، فنفوا العرض بعد ما
(١) في (ص، ش): واستكثارا لأنفسهم.
(٢) في (م): لكنّه لم يسمع.