فصل في الكلام في الألوان والطعوم والروائح
  أثبتوه، إذ جعلوا جميع العالم وما كان فيه جسما، فنقضوا قولهم:
  (إن العرض شيء موجود)، وقالوا: القرآن في قلب الملك واللون في الملوّن، فأثبتوا حلول العرض في الجسم ونقضوا قولهم: (إن العرض لا يحلّ في الجسم). وقالوا: إن اللّه تعبّد خلقه بمعقول ومسموع، فنقضوا قولهم: (المسموع هو المسمع)؛ ولأنّهم لا يقولون: إن اللّه تعالى تعبّد خلقه بمسمع.
  ومن الرد عليهم في قولهم: ليس العرض بحالّ في الجسم: من كتاب اللّه تعالى قول اللّه تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ٢١ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ}[البروج: ٢١ - ٢٢]، وقوله: {وَالطُّورِ ١ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ ٢ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ}[الطور: ١ - ٣]، وقال: {بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ}[العنكبوت: ٤٩]، وقال تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ}[الفتح: ٢٦]، وقال: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}[البقرة: ١٠]، وقال: {فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ}[الفتح: ١٨]، وقال: {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ}[الحشر: ٢]، فدلّت هذه الآيات على أنّ العرض يحلّ في الجسم؛ لأن كون العرض في الجسم يوجب حلوله فيه؛ لأن (في) حرف يوجب التضمين، ومحلّ الشيء في الشيء.
  وقد استدلت المشبّهة على قولهم: (إن اللّه في مكان) بقوله تعالى:
  {أَ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ}[الملك: ١٦]. وتأويل هذه الآية عندنا: أم أمنتم إله من في السماء. وتأويل قوله تعالى:
  {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ}[الزخرف: ٨٤] أنه إله من في السماء، وإله من في الأرض. وروي عن رسول اللّه ÷ أنه قال: «لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال حبّة خردل من كبر».