فصل في الكلام في الألوان والطعوم والروائح
  من ينظر البسرة بين الخضرة والحمرة والصفرة، إذ البسرة قائمة العين، والألوان يحدث بعضها ويبطل بعضها، فلو فرق بين الخضرة والحمرة والصفرة بغير النظر لصحّ ما قالوا. ولمّا صح أنه لا يفرّق بين هذه الألوان إلا بالنظر(١) صحّ أنها مرئيّة.
  فإن قالوا: أوجدونا شيئين - في مكان واحد - جسما ولونا، فلا يشاهد(٢) غير الجسم الملوّن.
  قلنا: أما قولكم أوجدونا شيئين في مكان واحد، فإن كنتم أردتم(٣) أن نثبت لكم شيئين: جسما وعرضا، فقد بيّنا ثبوت العرض، واحتججنا عليه بما فيه كفاية، وإن كنتم أردتم أن نوجدكم شيئين قائمين بنفوسهما(٤) شاغلين للمكان، فإن العرض لا يكون قائما بنفسه شاغلا للمكان، وإنما هو قائم في الجسم، صفة للجسم، ولا يقوم بنفسه فيكون شيئا شاغلا للمكان، فلا حجّة لهم بهذا السؤال.
  والحجّة من كتاب اللّه على صحّة ما ذهبنا إليه قول اللّه تعالى: {وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ٦٧ قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ ٦٨ قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ}[البقرة: ٦٧ - ٦٩]،
(١) في (ش): ولما صح أن يفرق بين هذه الألوان إلا بالنظر.
(٢) في (م): فلا نشاهد.
(٣) في (ي): فإن أنتم أردتم.
(٤) في (ل): بأنفسها.