فصل في الكلام في الألوان والطعوم والروائح
  فعرّفهم اللّه بذاتها، وبجميع صفاتها، فكان مما وصفها به اللون، فصحّ أنّه شيء وأنه مرئيّ، إذ لو لم يروا لونها لما زالت عنهم الشبهة، ولبقيت الجهالة، ولو لم تكن الصفرة مرئيّة لما فرقوا بين الصفرة وغيرها من الألوان، فلما وصفها اللّه بالصّفرة، وبالغ في صفتها بالفقاعة - فلم يكونوا يبلغون إلى معرفة هذه الصفة إلا بالنظر - صحّ أنها مرئيّة.
  ويكفي من هذا الاحتجاج أن الأعمى لو لمس البقرة لما عرف لونها، فسقط قولهم: (إن اللون يعلم ولا يرى). وأيضا فإن اللّه أرسل موسى # إلى فرعون وملائه بمعجزتين إحداهما(١) جسم، والأخرى عرض، فقال تعالى فيما حكى عنه(٢): {فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ ١٠٧ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ}[الأعراف: ١٠٧ - ١٠٨]، فالجسم الثعبان، والعرض بياض اليد، فبيّن أنه مرئيّ بقوله: {فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ}، فمن قال: (إن اللون لا يرى بالأعيان) فقد أكذب القرآن، وكفر ببعض آيات اللّه، ومن كفر ببعضها فقد كفر بكلها، وقد قال تعالى في آية أخرى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا ١٥١ أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا}[النساء: ١٥١ - ١٥٢]، وقد روي عن رسول اللّه ÷ أنه قال:
  «فاتقوا النّار، واتّقوا النّساء، واتّقوا الغضب، فإنه جمرة يتوقّد في قلب ابن آدم(٣)، ألا ترون إلى انتفاخ أوداجه، وحمرة عينيه»
(١) في (ض): أحدهم.
(٢) في (ش): فيما حكي عنه.
(٣) في (ب، ت، ل): في جوف ابن آدم.