فصل في الكلام في الألوان والطعوم والروائح
  إذ قد نجده على خلاف هذه الصّورة، وإن كانت في الذي تسمّونه هيولى فلا بدّ إذا ظهرت أن تكون قد انتقلت عنه إلى هذا.
  فإن قلت: انتقلت أحلت، لأن الأعراض لا يجوز عليها الانتقال، على أن في الصّورة ما يرى بالعيان(١)، فإن كانت متنقّلة فما بالها خفيت عند الانتقال، وظهرت عند اللبث.
  وقال الهادي إلى الحق # في كتاب المسترشد: (فلما أن وجدت العقول(٢) والحواس أجساما مثلها، مصوّرات في الخلق كتصويرها، وأعراضا لا تقوم إلا بغيرها، استدللت على الفاعل بفعله) فدلّ كلامه هذا على أن العقول والحواس تدرك الأجسام والأعراض؛ لأنه عطف الأعراض على الأجسام بواو النّسق، وإعرابها إعرابها. وقوله:
  (أجساما مثلها مصوّرات في الخلق كتصويرها) يريد أنها مثلها في الحدث؛ لأنه احتج على أهل التشبيه بأن العقول والحواس لا تقع إلا على مثلها في الحدث، ولم يرد أنها أجسام مثلها(٣)؛ ولأن العقل غير الجسم.
  وقد بيّن في المسترشد وفي مسائل الرازي أن العقل ليس بجسم، وكذلك في الأحكام قال: (والنّوم المزيل للعقل ينقض الطهارة) فصحّ أنه عنى به العرض؛ لأن القلب لا يزول بالنوم، فثبت أنه أراد أنها مثلها في الحدث(٤) لا أنها جسم(٥).
(١) في (م): ما يرى بالأعيان.
(٢) في (ج): فلمّا وجدت العقول.
(٣) في (ض): جسم مثلها.
(٤) في (ش، ي): أراد بها مثلها في الحدث.
(٥) في (ث): لأنها جسم. وهو خطأ.