حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في الألوان والطعوم والروائح

صفحة 138 - الجزء 1

  وقد قال القاسم بن إبراهيم @: والحجة عليهم في أن الريح شيء غير المشموم أنا نشاهد الأترجة في حال غضاضتها لها ريح ثم تطيب فيبطل ذلك الرّيح، ويحدث لها ريح غيره، وعينها قائمة، فصح أن الذي بطل وأن الذي حدث عرض في الأترجة غيرها.

  والحجة [عليهم]⁣(⁣١) من كتاب اللّه قوله عزّ من قائل فيما حكى عن يعقوب #: {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ}⁣[يوسف: ٩٤]، وفي هذا بيان وكفاية. وهو مدرك بحاسّة الأنف، والهواء هو الذي يحمله إلى الأنف، كما يحمل الكلام إلى الأذن.

  وأما ما كان يتجزّأ ويقوم بنفسه كالدّخان والبخار وشبهه، فهو جسم وله رائحة. ولم تختلف الأمة في أن الريح يدرك بحاسّة الأنف، بل هم مجمعون على ذلك.

  ومن المعقول المشاهد أن البهائم تعرف أولادها بالريح، وتفرق بين أولادها وبين أولاد غيرها⁣(⁣٢)، وكذلك السّباع تدرك ما جعل اللّه لها فيه متاعا بالرّيح من مكان بعيد؛ وهذا فيه كفاية وبيان⁣(⁣٣). والطعوم أعراض كالروائح، ألا ترى أنك تجد ريح الأترجة وتجد لها طعما في ابتدائها؟ ثم تجد لها طعما غيره في انتهائها؟ وكذلك سائر الكرم فإنك تجده في ابتدائه حامضا، وبعد ذلك ممتزجا، ثم تجده عند انتهائه حلوا، وعينه قائمة، فصحّ أن هذه الصفات التي تحدث وتبطل شيئا


(١) زيادة في (ه).

(٢) في (ش): وتفرق بالريح بين أولادها وأولاد غيرها.

(٣) في (ب، د): وفي هذا كفاية وبيان.