فصل في الكلام في الألوان والطعوم والروائح
  غيرها وأنها مدركة بالفم، ولو كانت الحموضة والحلاوة وأشباههما وصف الواصف لا غير لما كان أحد يفرق بين الحلو والحامض، ولو لم يكن مدركا بحاسّة الفم لكان الإنسان يجد طعم الشيء ويعلمه بغير الذّوق، ألا ترى أنه لو لمس جسما أو نظره أن ذلك(١) لا يؤدي إلى علم الطعم، ولمّا كان يجد طعم الشيء إذا ذاقه علم أنه أدركه بحاسّة الذّوق، فصح أن الطّعم عرض قائم في المطعوم ومدرك بحاسّة الذّوق(٢)، وقد قال اللّه تعالى: {وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ}[محمد: ١٥]، فصحّ أن له طعما سواه؛ ولأنه قد يتغيّر الطّعم واللبن بحاله في لونه وجنسه واسمه.
  والحرارة والبرودة أيضا حالتان يعتوران الجسم، تحدث حالة وتبطل أخرى والجسم قائم بعينه، وهذه كلها مدركة باللمس، وقد قال القاسم # في جواب الملحد: (اعلم أن طرق العلم بالأشياء مختلفة، فمنها ما يعرف بالحسّ، ومنها ما يعرف بالنفس، ومنها ما يعرف بالعقل، ومنها ما يعرف بالظنّ والحسبان.
  فأما ما يعرف بالحسّ فطرقه خمس: سمع، بصر، شمّ، ذوق، لمس؛ فالسمع طريق الصّوت. والبصر طريق الهيئات والألوان. والذوق طريق الطّعوم. والشمّ طريق الروائح. واللمس طريق اللين والخشونة ... إلى قوله: ولو حاولت كل علم من غير طريقه لعسر
(١) في (ض): علم أن ذلك.
(٢) في (ل، م): مدرك بحاسة الذوق.