فصل في الكلام في أن الله تعالى قديم
  يقول: لقد علمت الجنّة(١) إنهم لمعذّبون، ثم استثنى المؤمنين منهم، فقال: {إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} ومحضرون هاهنا بمعنى معذبين(٢) قال اللّه تعالى: {قالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ٥٦ وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}[الصافات: ٥٦ - ٥٧]، وقال تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ١٢٧ إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ}[الصافات: ١٢٧ - ١٢٨]، وقال تعالى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ ١٥ أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ ١٦ وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ١٧ أَ وَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ ١٨ وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ}[الزخرف: ١٥ - ١٩]، فاحتجّ اللّه عليهم بحجّة بالغة، وأيّ حجّة أبهر من حجّة اللّه بأن قال: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ ١٦ وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ}، يقول: إن أحد هؤلاء الكفار إذا بشّر بالأنثى اغتمّ وتعب، وإذا بشر بالذّكر فرح واستبشر، فهل يكون اللّه اختار لهم الذّكور، ويأخذ الإناث له؟ وقد عابهم(٣) بقوله: {أَ وَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ}[الزخرف: ١٨]، عز اللّه عما يقول الكافرون.
  فأما عبّاد الأصنام والأوثان فإن الرد عليهم ظاهر قريب، وذلك أن الحجارة والأصنام موات لا حياة فيها، ولا قدرة، ولا علم،
(١) في (ش): ولقد علمت الجنّ.
(٢) في (أ): بمعنى معذّبون.
(٣) في (ش): وقد عابهن.